طارقٌ حتى نزل بأهل مدينة شذونة، فامتنعوا عليه، فشدّ الحصر عليهم حتى نهكهم وأضرّهم، فتهيّأ له فتحها عنوة، فحاز منها غنائم، ثمّ مضى منها إلى مورور (١) ، ثمّ عطف إلى قرمونة فمر بعينه المنسوبة إليه، ثم مال على إشبيلية فصالحه أهلها على الجزية، ثمّ نازل أهل إستجة وهم في قوّة ومعهم فلّ عسكر لذريق، فقاتلوا قتالاً شديداً حتى كثر القتل والجراح بالمسلمين، ثمّ إن الله تعالى أظهر المسلمين عليهم، فانكسروا، ولم يلق المسلمون فيما بعد ذلك حرباً مثلها، وأقاموا على الامتناع إلى أن ظفر طارق بالعلج صاحبها، وكان مغترّاً سيئ التدبير، فخرج إلى النهر لبعض حاجاته وحده، فصادف طارقاً هناك قد أتى لمثل ذلك، وطارق لا يعرفه، فوثب عليه طارق في الماء، فأخذه وجاء به إلى العسكر، فلمّا كاشفه اعترف له بأنّه أمير المدينة، فصالحه طارق على ما أحبّ، وضرب عليه الجزية، وخلّى سبيله، فوفى بما عاهد عليه، وقذف الله الرّعب في قلوب الكفرة لما رأوا طارقاً يوغل في البلاد، وكانوا يحسبونه راغباً في المغنم عاملاً على القفول، فسقط في أيديهم، وتطايروا عن السهول إلى المعاقل، وصعد ذوو القوّة منهم إلى دار مملكتهم طليطلة، قيل: وكان من إرهاب طارق لنصارى الأندلس وحيله أن تقدّم إلى أصحابه في تفصيل لحوم القتلى بحضرة أسراهم وطبخها في القدور، يرونهم أنهم يأكلونها، فجعل من انطلق من الأسرى يحدّثون من وراءهم بذل فتمتلئ منه قلوبهم رعباً ويجفلون فراراً، قالوا: وقال يليان لطارق: قد فضضت جيوش القوم رعبوا، فاصمد لبيضتهم، وهؤلاء أدلاء من أصحابي مهرة، ففرّق جيوشك معهم في جهات البلاد، واعمد أنت إلى طليطلة حيث معظمهم، فاشغل القوم عن النظر في أمرهم والاجتماع إلى أولي رأيهم، ففرّق طارق جيوشه من إستجة، فبعث مغيثاً الروميّ مولى الوليد بن