للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدينة فبادر بالفرار عن البلاط في أصحابه، وهم زهاء أربعمائة، وخرج إلى كنيسة بغربيّ المدينة، وتحصن بها، وكان الماء يأتيها تحتالأرض من عين في سفح جبل، ودافعوا عن أنفسهم، وملك مغيث المدينة وما حولها؛ وقال من ذهب إلى أن طارقاً لم يحضر فتح قرطبة وأن فاتحها مغيث: إنّه كتب إلى طارق بالفتح، وأقام على محاصرة العلج بالكنيسة ثلاثة أشهر، حتى ضاق من ذلك وطال عليه، فتقدّم إلى أسود من عبيده اسمه رباح، وكان ذا بأس ونجدة، بالكمون في جنانٍ إلى جانب الكنيسة ملتفة الأشجار، لعلّه أن يظفر له بعلج يقف به على خبر القوم، ففعل، ودعاه ضعف عقله إلى أن صعد في بعض تلك الأشجار، وذلك أيّام الثمر، ليجني ما يأكله، فبصر به أهل الكنيسة، وشدّوا عليه، فأخذوه فملكوه (١) ، وهم في ذلك هائبون له منكرون لخلقه، إذ لم يكونوا عاينوا أسود قبله، فاجتمعوا عليه، وكثر لغطهم وتعجبهم من خلقه، وحسبوا أنّه مصبوغ أو مطليّ ببعض الأشياء التي تسوّد، فجردوه وسط جماعتهم، وأدنوه إلى القناة التي منها كان يأتيهم الماء، وأخذوا في غسله وبتدليكه بالحبال الحرش، حتى أدموه وأنتوه، فاستغاثهم، وأشار إلى أن الذي به خلقة من بارئهم، عزّ وجلّ، ففهموا إشارته (٢) ، وكفّوا عن غسله (٣) واشتد فزعهم منه، ومكث في إسارهم سبعة أيام لا يتركون التجمّع عليه والنظر إليه إلى أن يسّر الله له الخلاص ليلاً، ففرّ وأتى الأمير مغيثاً فخبره بشأنه وعرّفه بالذي اطلع عليه من موضع (٤) الماء إليها ينتابونه، ومن أي ناحية يأتيهم، فأمر أهل المعرفة بطلب تلك القناة في الجهة التي أشار إليها الأسود حتى أصابوها، فقطعوها عن جريتها إلى الكنيسة، وسدّوا منافذها، فأيقنوا


(١) دوزي: وملكوه.
(٢) ق ط ج: ففهموا عنه.
(٣) ك: وكفوا عنه وعن غسله.
(٤) ك: اطلع عليه من شأنهم وموضع.

<<  <  ج: ص:  >  >>