للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالهلاك حينئذ، فدعاهم مغيث إلى الإسلام أو الجزية، فأبوا عليه، فأوقد النار عليهم حتى أحرقهم فسمّيت كنيسة الحرقى، والنصارى تعظّمها لصبر من كان فيها على دينهم من شدّة البلاء؛ غير أن العلج أميرهم رغب بنفسه عن بليتهم عند إيقان الهلاك، ففرّ عنهم وحده، وقد استغفلهم ورام اللحاق بطليطلة، فنمي (١) خبره إلى مغيث، فبادر الركض خلفه وحده، فلحقه بقرب قرية تطليرة (٢) هارباً وحده، وتحته فرس أصفر ذريع الخطو، وحرك مغيث خلفه، فالتفت العلج ودهش لما رأى مغيثاً قد رهقه، وزاد في حث فرسه فقصر به، فسقط عن الفرس واندقت عنقه، فقعد على ترسه مستأسراً قد هاضته السقطة، فقبض عليه مغيث، وسلبه سلاحه، وحبسه عنده ليقدم به على أمير المؤمنين الوليد، ولم يؤسر من ملوك الأندلس غيره، لأن بعضهم استأمن وبعضه هرب إلى جلّيقيّة. وفي رواية أن مغيثاً استنزل أهل الكنيسة بعد أسره لملكهم، فضرب أعناقهم جميعاً، فمن أجل ذلك عرفت بكنيسة الأسرى وأن مغيثاً جمع يهود قرطبة فضمنهم إلى مدينتها استنامةً إليهم، دون النصارى، للعداوة بينهم، وأنّه اختار القصر لنفسه، والمدينة لأصحابه.

وأمّا من وجّه إلى مالقة ففتحوها، ولجأ علوجها إلى جبال هنالك ممتنعة، ثمّ لحق ذلك الجيش بالجيش المتوجّه إلى إلبيرة، فحاصروا مدينتها غرناطة، فافتتحوها (٣) عنوة، وضموا اليهود إلى قصبة غرناطة، وصار ذلك لهم سنّة متبعة (٤) في كل بلد يفتحونه أن يضموا يهوده إلى القصبة مع قطعة من المسلمين لحفظها، ويمضي معظم الناس لغيرها، وإذا لم يجدوا يهوداً وفّروا عدد المسلمين المخلّفين لحفظ ما فتح، ثم صنعوا عند فتح كورة ريّة التي منها مالقة مثل ذلك.


(١) ك: قبلغ.
(٢) كذا في ق ك ط ج، ولعلها: طلبيرة.
(٣) ك: فاقتحموها.
(٤) متبعة: سقطت من ك.

<<  <  ج: ص:  >  >>