للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والآخر النصف الآخر لنفسه، ويسير معهم جماعة والناس مشتغلون بغير ذلك.

وعن يحيى بن سعيد: لمّا افتتحت الأندلس أصاب الناس فيها غنائم، فغلوا منها غلولاً كثيراً حملوه في المراكب وركبوا البحر، فسمعوا منادياً يقول: اللهم غرّق بهم، وتقلدوا المصاحف، فما نشبوا أن أصابتهم ريح عاصف، وضربت المراكب بعضها بعضاً حتى تكسرت، وغرق بهم، وأهل مصر ينكرون ذلك، ويقولون: أهل الأندلس ليس هم الذين غرقوا، وإنّما هم أهل سردانية، فالله أعلم بحقيقة الحال.

ورأيت في بعض كتب التاريخ (١) أنّه وجد في طليطلة حين فتحت من الذخائر والأموال ما لا يحصى، فمن ذلك مائة وسبعون تاجاً من الذهب الأحمر مرصعة بالدر وأصناف الحجارة الثمينة، ووجد فيها ألف سيف ملوكي، ووجد فيها من الدر والياقوت أكيال، ومن أواني الذهب والفضة ما لا يحيط به وصف، ومائدة سليمان، وكانت - فيما يذكر - من زمردة خضراء، وزعم بعض العجم أنها لم تكن لسليمان، وإنّما أصلها أن العجم أيام ملكهم كان أهل الحسنة في دينهم إذا مات أحد منهم أوصى بمال للكنائس، فإذا اجتمع عندهم مال له قدرٌ صاغوا منه الآلة من الموائد العجيبة، والكراسي من الذهب والفضّة، تحمل الشمامسة والقسوس فوقها الأناجيل في أيام المناسك، ويضعونها في الأعياد للمباهاة، فكانت تلك المائدة بطليطلة ممّا صنع في هذا السبيل، وتأنّق الملوك في تحسينها، يزيد الآخر منهم فيها على الأول، حتى برزت على جميع ما اتّخذ من تلك الآلات، وطار الذكر بها كلّ مطار، وكانت مصوغة من الذهب الخالص مرصّعة بفاخر الدر والياقوت والزبرجد، وقيل: إنّها من زبرجدة خضراء حافاتها وأرجلها منها، وكان لها ثلاثمائة وخمس وستون رجلاً، وكانت توضع في كنيسة طليطلة، فأصابها طارق، انتهى.


(١) تقدم ما هو شبيه بذلك، انظر ص: ٢٧٢ من هذا الكتاب؛ وفي ك: ورأيت لبعض أهل التاريخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>