للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوحشة، أحقّاً أنّه دكّت الأرض، ونزف المعين والبرض، وصوّح روض المنى، وصرّح الخطب ما كنى؟ أبن لي كيف فقدت رجاحة الأحلام، وعقدت مناحة الإسلام، وجاء اليوم العسر، وأوقدت نار الحزن فلا تزال تستعر؟ حلم ما نرى؟ بل ما رأى ذا حالم، طوفان يقال عنده لا عاصم، من يصفنا من الزمان الظالم؟ الله بما يلقى الفؤاد عالم؛ بالله أيّ نحو تنحو، ومسطور تثبت وتمحو، وقد حذف الأصلي والزائد، وذهبت الصّلة والعائد، وباب التعجب طال، وحال البائس لا تخشى الانتقال، وذهبت علامة الرفع، وفقدت سلامة الجمع، والمعتلّ أعدى الصحيح، والمثلّث اردى الفصيح، وامتنعت العجمة من الصّرف، وأمنت زيادتها من الحذف، ومالت قواعد الملّة، وصرنا إلى جمع القلّة، للشّرك صيال وتخمّط، ولقرنه في شركه تخبّط، وقد عاد الدين إلى غربته (١) ، وشرق الإسلام بكربته، كأن لم يسمع بنصر ابن نصير، وطرق طارق بكل خير، ونهشات حنش (٢) وكيف أعيت الرّقى، وأدالت بليل السّليم يوم الملتقى، ولم تخبر عن المروانية وصوائفها، وفتى معافر (٣) تعفيره للأوثان وطوائفها، لله ذلك السلف، لقد طال الأسى عليهم والأسف، وبقي الحكم العدل، والربّ الذي قوله الفصل، وبيده الفضل، وربّنا أمرت فعصينا، ونهيت فما انتهينا، وما كان ذلك جزاء إحسانك إلينا، أنت العليم بما أعلنّا وما أخفينا، والمحيط بما لم نأت وما أتينا، لو أننا فيك أحببنا وقلينا، لم ترنا من الفرقة ما رأينا، ولم تسلّط عدوّك وعدوّنا علينا، لكن أنت أرحم من أن تؤاخذنا بما جنينا، وأكرم من أن لا تهب حقوقك لدينا.

وأشرت أيها الأخ الكريم إلى استراحة إليّ، وتنسم بما لديّ، لتبرد - كما زعمت - حرّ نفس، وتقدح زناد قبس، وهيهات صلد الزند، وذوى العرار


(١) إشارة إلى الحديث: " بدئ الإسلام غريباً وسيعود غريباً ... ".
(٢) يريد " حنش الصنغاني " الذي تقدم ذكره.
(٣) فتى معافر هو المنصور بن أبي عامر.

<<  <  ج: ص:  >  >>