للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله تعالى خير منزل، وجعلكما من النوائب والشوائب بمعزل - من رباط الفتح ولبّي قديماً ملكتما رقّه، وقلبي تعلّماً وتعليماً عرفتما صدقه، كيف حالكما من سفر طويتما خبره، حين تجشمتما غرره؟ وكيف سخت نفوسكما بأم الحصون، وذات الظلال والعيون؟ تربة الآباء، ومنزلة الجمحيّين النّجباء، حتى صرمتما جبلها، وهجرتما حزنها وسهلها، وخضتما غير الفجاج، وخضر الأمواج؟ ما ذاك إلا لتغلّب الحدث النّكر، وتألّب المعشر الغدر، ومن أجل الداهية النكاد (١) ، والحادثة الشنيعة على البلاد، أزعجتكم حين أزعجتنا، وأخرجتكم كما أخرجتنا، وطوّحت بنا طوائحها، واجتاحت ثمرنا وشجرنا جوائحها، فشكراً لله تعالى على قضائه، وتضرعاً فيما نرفعه من دعائه، وهنيئاً لنا ولكم معشر الشّرداء، المنطوين من الشجن على شرّ داء (٢) ، ذلك الطّود الذي إليه أويتما، وفي ظلّه ثويتما، وعن رأيه تريان، وبسعيه تسعيان، فوجهه المبارك لا يعدم رأيه نجحاً، ولا يعدو لصبحه إذا دجا ليل الهمّ صبحاً، انتهى.

[تعريف بأبي المطرف]

وكان أبو المطرّف بن عميرة المذكور كما قال فيه بعض علماء المغرب: قدوة البلغاء، وعمدة العلماء، وصدر الجلّة الفضلاء، وهو أحمد بن عبد الله بن عميرة المخزومي؛ ونكتة البلاغة التي قد أحرزها وأودعها، وشمسها التي أخفت ثواقب كواكبها حين أبدعها، مبدع البدائع التي لم يحظ (٣) بها قبله إنسان، ولا ينطق عن تلاوتها لسان؛ إذ كان ينطق عن قريحة صحيحة، ورويّة بدرر العلم فصيحة، ذللت له صعب الكلام، وصدّقت رؤياه حين وضع سيد المرسلين


(١) كذا في الأصول؛ ويقال أيضاً " داهية نآد ".
(٢) ط: شر الداء.
(٣) ك: يحط.

<<  <  ج: ص:  >  >>