للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغزارة حفظه، ولخص كثيراً من كتب ابن رشد، وعلق للسلطان أيام نظره في العقليات تقييداً مفيداً في المنطق، ولخص محصل الإمام فخر الدين الرازي، وبه داعبته أول لقيه، فقلت له: لي عليك مطالبة فإنك لخصت محصلي، وألف كتاباً في الحساب، وشرع في هذه الأيام في شرح الرجز الصادر عني في أصول الفقه بشيء لا غاية فوقه في الكمال.

وأما نثره وسلطانياته السجعية فخلج بلاغة، ورياض فنون، ومعادن إبداع، يفرغ عنها يراعه الجريء، شبيهة البداءات بالخواتم، في نداوة الحروف، وقرب العهد بجرية المداد، ونفوذ أمر القريحة، واسترسال الطبع.

وأما نظمه فنهض لهذا العهد قدماً في ميدان الشعر، ونقده باعتبار أساليبه فانثال عليه جوه، وهان عليه صعبه، فأتى منه بكل غريبة.

خاطب السلطان ملك المغرب ليلة الميلاد الكريم عام اثنين وستين وسبعمائة بقصيدة طويلة أولها (١) :

أسرفن في هجري وفي تعذيبي ... وأطلن موقف عبرتي ونحيبي

وأبين يوم البين وقفة ساعة ... لوداع مشغوف الفؤاد كئيب

لله عهد الظاعنين وغادروا ... قلبي رهين صبابة ووجيب

غربت ركائبهم ودمعي سافح ... فشرقت بعدهم بماء غروبي (٢)

يا ناقعاً بالعتب غلة شوقهم ... رحماك في عذلي وفي تأنيبي

يستعذب الصب الملام وإنني ... ماء الملام لدي غير شريب (٣)

ما هاجني طرب ولا اعتاد الجوى ... لولا تذكر منزل وحبيب

أهفو إلى الأطلال كانت مطلعاً ... للبدر منهم أوكناس ربيب


(١) القصيدة في التعريف: ٧٠.
(٢) الغروب: الشؤون، أي مجاري الدموع.
(٣) الشريب: العذب؛ وفي التعريف: شروب.

<<  <  ج: ص:  >  >>