للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحرب ذات الوقود؛ حيث الأفق قد تردّى بالقتام وتعمّم، والسيف قد تجرد تيمّم، وغبار الجهاد يقول: أنا الأمان من دخان جهنم؛ حيث الإسلام من عدوّة كالشامة من جلد البعير، والتمرة من أوسق العير؛ حيث المصارع تتزاحم الحور على شهدائها، والأبطال يعلو بالتكبير مسمع (١) ندائها، حيث الوجوه الضاحكة المستبشرة قد زينتها الكلوم بدمائها، وإن هذا القطر الذي مهدت لسياستنا (٢) أكوار مطاياه، وجعلت بيدنا - والمنّة لله - عياب عطاياه، قطر مستقل بنفسه، مربٍ يومه في البرّ على أمسه، زكيّ المنابت عذب المشارب، متمّم المآمل مكمّل المآرب، فاره الحيوان، معتدل السحن والألوان، وسيطة في الأقاليم السبعة، شاهدة لله بإحكام الصنعة، أما خيله ففارهة، وإلى الرّكض شارهة، وأمّا سيوفه فلمواطن الغمود كارهة، وأمّا أسله فمتداركة الخطف، وأمّا عوامله فبيّنة الحذف، وأمّا نباله فمحذورة القذف، إلا أن الإسلام به في سفطٍ مع الحيّات، وذريعة للمنيّات الوحيّات (٣) ، وهدف للنبال، وأكلة للشّبال، تطؤهم الغارات المتعاقبة، وتتحيفهم (٤) الحدود المصاقبة، وتجوس خلالهم العيون المراقبة، وتريب من أشكال مختطّهم إلا أن يتفضل الله بحسن العاقبة، فليس إلا الصبر، والضرب والهبر (٥) ، والهمز والنبر، والمقابلة والجبر، وقد حال البحر بينهم وبين إخوان ملّتهم، وأساة علّتهم، يقومون بهذا الفرض، عن أهل الأرض، ويقرضون ملك يوم العرض، أحسن القرض، فلولا بعد المدى، وغول الردى، ولغط العدا، وما عدا ممّا بدا لسمعتم تكبير الحملات، وزئير تلك الفلاّت، ودويّ الحوافر، وصليل السيوف من فوق المغافر، وصراخ الثكالى، وارتفاع الأدعية إلى الله تعالى، ولو ارتفع قيد (٦) المكان، وهو للأولياء مثلكم من حيّز الإمكان، لمقلتم مقل الأسنّة الزّرق، حالّة


(١) دوزي: مستمع.
(٢) ق: بسياستنا.
(٣) إشارة إلى قول الشاعر: كيف الحياة مع الحيات في سفط.
(٤) ك: وتخيفهم.
(٥) ق ك ط ج: والضرب الهبر.
(٦) ق: بند؛ ك: هذا؛ ج: نبذ؛ ط ودوزي: نبد.

<<  <  ج: ص:  >  >>