للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأعذار التي تقرر عنا هذا الطائر عديدة، ومبدئه في الصدق معيدة، وقريبة من الحق لا بعيدة، فمنها أن هذا الفرض اليوم بأكثر الأرض، ميدان عدم فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله من يجيل (١) كما يحب جواداً، ونفير لا يجيبه إلا من يكثر سواداً، قد طمست الأعلام، وسقط الحمد والملام، وما لجرح بميت إيلام، فمدلول هذا الفن بهذه التخوم عنقاء مغرب، وإكسير يحدث عنه غير واصل ولا مجرب، إنما يرجع فيه إلى كتب مقفلة، وأغراض مغفلة، وما عسى أ، يعول المسكين مثلي على قاصر إدراكه، مع اقتسام باله واشتراكه قصر العلم والعمل، فاختلط المرعي والهمل، وأخفق المسعى وخاب الأمل، ومنها شواغل الدنيا التي اختطفت من المكاتب، وموهت بالمراتب، ولقبت بالوزير والكاتب، وأقامت العبد الذي لا يملك شيئاً مقام العاتب، ومن كان بهذه المثابة وإن عد يقظاً حازماً، ونحريراً خالماً، فإنما هوغريق، وتائه لا يبدوله طريق، ولا ينساغ له ريق، ولا يطفأ ببرد اليقين منه حريق، ولا يربع عليه من قصاد الله تعالى فريق، ونستغفر الله، فالذي ألهم لهذه العيوب، يتكفل بإصلاح القلوب، ومكاشفة الغيوب، وإن كانت النفوس للحق جاحدة، فما أمري إلا واحدة:

لا تعجبن لطالب نال العلا ... كهلاً وأخفق في الزمان الأول

فالخمر تحكم في العقول مسنة ... وتداس أول عصرها بالأرجل ومنها الاشتغال بالهذر، عن اعلم والنظر، منذ أزمان عديدة، ومدد مديدة، فلم يبق مما حصل، وإليه مما في الزمان الديم توصل، إلا رسم بلقع، وسمل (٢) ما له مرقع، ومنها أنني لم أنتدب إلى هذا الوظيف الذي قل من يتعاطاه، ويثير قطاه، ويقتعد مطاه، من تلقاء نفس جاهلة ببعد مداه، ومطل جداه، ومطالبة مدعيه بما كسبت منه يداه، فلا يتجاوز طوره ولا يتعداه، وإن طالب الحق من شرط وصوله، سلب فصوله، وحالة موته، وانقطاع حسنه فضلاً عن صوته،


(١) ق: بخيل.
(٢) ق: شمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>