للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكني خضت على عدم السباحة غمراً، وامتثلت مع سقوط الاستطاعة أمراً، وجئت بما في وسعي اقياداً وامتثالاً، ومثلت مثالاً، فضرورتي بفضل الله تعالى مشروحة، والدعوى عن كتفي مطروحة، وعلى ذلك فقد علم الذي يعلم الأسرار، ويقرب الأبرار، ويقيل العثار، ويقبل الأعذار، أن مدة الاشتغال به لم تجاوز شهرين اثنين، بين كتب وكتم، وابتداء وختم، مع ما يتخلل الزمان من حمل لورمي به رضوى لتدعدع، أوأنزل على ثبير لخشع من خشية الله تعالى وتصدع: مداراة عدوقد تكالب على الإسلام، وسياسة سواد صم عن الملام، وتعدى حدود النهي والأحلام، وارتقاب هجوم جيش الآجال وراية الشيب من الأعلام، وقد أنذر بالفجر انقشاع الظلام، وكاد يصعد الخطيب فينقطع الكلام، جعلت لنقله حصة من جنح الظلام الغاسق، والليل الواسق، وعاطيت حمياه نديم الغارق (١) ، وتعرضت لاقتناص خياله الطارق، وسرقته من أيدي الشواغل والليل معين السارق، ولم يعمل فيه عبد القيس (٢) نظراً معاداً، ولا أنجز من تصحيحه علم الله تعالى ميعاداً، إنما هوكراس يفرغ من تسويده رجراج الحبر، مختلط الترب بالتبر، فيدفع ملوم الماسخ، إلى يد الناسخ، وكلفة المتثاقل، إلى كف الناقل، وتقذف صحيفته من الزبرة إلى لاصاقل، إذ كان الآمر - أيده الله تعالى ونفعه - حريصاً على تعجيل المعارضة، ومتحرياً سبيل الشرع في هذه المصارفة والمقارضة، والجفن المشرق يعلن بالتبريح، وينتظر مساعدة الريح، فمن وقف عليه من فاضل أنار الله بصيرته، وجبل على الإنصاف سيرته، أومن كان من أهل الله الذي يعلم أن ما سوى الله تعالى ظل وفيء، ويتحقق معنى قوله " ليس لك من الأمر شيء "، فقد أوجب الإنصاف أن يمحواقترافي باعترافي، ويغطي أوصافي بإنصافي، والرحماء يرحمهم الرحمن، وقد عذر القنبرة سليمان، ومع


(١) كذا، ولعل صوابه " العاتق " أي الخمر القديمة أو الشراب الجيد.
(٢) حقه أن يقول عبد قيس، لإشارته إلى قول الشاعر:
أعد نظراً يا عبد قيس فإنما ... أضاءت لك النار الحمار المقيدا

<<  <  ج: ص:  >  >>