واللسان المهذار، حسب من الأغيار، ونمهم بذاة، ليس لهم إلا المنادمة أدة، تعذر عليهم تميز المحبوب فغلظوا، وعكفوا على تنزيهه فأفرطوا:
ربما ضر عاشق معشوقا ... ومن البر ما يكون عقوقا وغلبت على سجيتهم السلامة، ولم تنلهم لعدم الموصل والمعرف الملامة، وليس لقبول عليهم علامة؛ ومنهم من شعاره الحشمة، ولزيمه العاف والعصمة، أولوالحياء والوقار، والكتم للأسرار، ومخالطة الأبراب، والتوسل إلى المحبوب بالافتقار، وصفاء الضمائر من الأكدار، لا تختلجهم الشواغل، ولا يطرق شرابهم الواغل (١) ، أغنتهم الشواهد عن الدعوى، وأصمتهم الرضى عن الشكوى، وتقسمت معاملاتهم الآداب، وصح منهم إلى مراتب المراقبة الانتداب، والناقد بصير، وكلام النيات قصير؛ ونمهم المغلوب الحال، المحمول من فوق الرحال، رقص وشطح، وسكر فافتضح، فهوبلخ الرفقة، وملوع الحرقة، دعني وعبدي بلخ، فإنه يضحكني سبع مرات في اليوم؛ ومنهم من لم يأخذه نعت، ولا تعين له فوق ولا تحت، ولا حمد ولا مقت، ولا حين ولا وقت، لونطق لقال: أنا المعدوم الموجود، والشاهد المشهود {ألا بعد لمدين كما بعدت ثمود}(هود:٩٥) .
قضى وصلها لي، وابتلاكم بحبها ... وهل يأخذ الإنسان غير نصيبه ولم يكن إلا أن خرجت الرقاع، وفضلت البقاع {ووفيت كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون}(آل عمران: ٢٥) .
فكان في رقعة طائفة: أعود بالله من الشيطان الرجيم {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً، أومن وراء حجاب، أويرسل رسولاً
(١) الواغل: المتطفل على الشراب، يكنى به عن الدخيل في فريق أهل الحياء من السالكين.