للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع (١) وعند ذلك يطوى بساط الزجر والوعظ (٢) ، ويمد بساط الاعتبار والحب، إن شاء الله تعالى، فإنها كالثكلى بطبعها لما فارقته من عنصر نور الله تعالى والعوالم الروحانية التي هي الشعار والدثار، والأمل والدار، والحياة والجمال، والوجود والكمال، وإن كانت لا تشعر بالسبب، ولا تستحضر ذكر العلة، فإذا ذكر الفراق أنت، أوتنوشدت الآثار حنت، ويطرقها الحزن عند الألحان الشجية، وتحس بعض الأحيان بالمواجد العشقية:

وقالوا أتبكي كل قبر رأيته ... لقبر ثوى بين اللوى والدكادك (٣)

فقلت لهم: إن الأسى يبعث الأسى ... دعوني فهذا كله قبر مالك وعن الثاني: إن كثيراً من النفوس لا تشعر بوجود عالم الحس، فضلاً عن النظر فيه، وإن شعرت بذلك عد منها نبلاً، ومن كان بهذه المثابة لا سبيل لندائه إلا من باب القشور " أولئك ينادون من مكان بعيد " فصلت:٤٤ إلى أن يتأتى النداء من باب الله تعالى بفضل الله تعالى، فالنفوس الشخصية غير متساوية، وهي بهوى الهوى هاوية، فالقريب منها يجذب بالأنامل، والبعيد بالجزل الكوامل، وعلى قدر المحمول تكون قوة الحامل:

يضع الهناء مواضع النقب (٤) ...

يكفي اللبيب إشارة مكتومة ... وسواه يدعى بالنداء العالي

وسواهما بالزجر من قبل العصا ... ثم العصا هي رابع الأحوال


(١) لأبي ذؤيب الهذلي، ديوان الهذليين ١: ١١.
(٢) والوعظ: سقطت من ق.
(٣) البيتان لمتمم بن نويرة في رثاء أخيه مالك.
(٤) من أمثالهم؛ وهو شطر بيت لدريد بن الصمة، وصدره: " متبذلاً تبدو محاسنه ".

<<  <  ج: ص:  >  >>