للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جلاله، وظهرت دلائل سعادته، في بدء كل أمر وإعادته، لما صرف وجهه إلى ترشيحه، لافتراع هضاب المجد البعيد المدى وتوشيحه، بالصبر والحلم والباس والندى، وأرهف منه سيفاً من سيوف الله تعالى لضرب هام العدا، وأطلعه فس سماء الملك بدر هدى، لمن راح وغدا، وأخذه بالآداب التي تقيم من النفوس أوداً، وتبذر في اليوم فتجني غدا، ورقاه في رتب المعالي طوراً فطوراً، ترقي النبات ورقاً ونوراً، ليجده بحول الله تعالى يداً باطشة بأعدائه، ولساناً مجيباً عند ندائه، وطرازاً على حلة علائه، وغماماً من غمائم آلائه، وكوكباً وهاجاً بسمائه، وعقد له لواء الجهاد على الكتيبة الأندلسية من جنده، قبل أن ينتقل عن مهده، وظلله بجناح رايته، وهوعلى كتد دابته، واستركب جيش الإسلام ترحيباً بوفادته، وتنويهاً بمجادته، وأثبت في غرض الإمارة النصرية سهم سعادته، رأى (١) أن يزيده من عنايته ضروباً وأجناساً، ويتبع أثره ناساً فناساً، قد اختلفوا لساناً ولباساً، واتفقوا ابتغاء لمرضاة الله والتماساً، ممن كرم انتماؤه، وزينت بالحسب العد سماؤه، وعرف غناؤه، وتأسس على المجادة بناؤه، حتى لا يدع من العناية فناً إلا وجلبة إليه، ولا مقادة فخر إلا جعلها في يديه، ولا حلة عز إلا أضفى ملابسها عليه.

و [لما] كان جيش الإسلام في هذه البلاد الأندلسية - أمن الله سبحانه خلالها، وسكن زلزالها، وصدق في رحمة الله تعالى التي وسعت كل شيء آمالها - كلف همته، ومرعى ذمته، وميدان اجتهاده، ومعلق أمل جهاده، ومعرج إرادته، إلى تحصيل سعادته، وسبيل خلاله، إلى بلوغ كماله، فلم يدع له علة إلا أزاحها، ولا طلبة إلا أجال قداحها، ولا عزيمة إلا أورى اقتداحها، ولا رغبة إلا فسح ساحها، آخذاً مدونته بالتهذيب، ومصافه بالترتيب، وآماله بالتقريب، محسناً في تلقي الغريب،


(١) هذا جواب " لما " في السطر الأول أعلاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>