للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما رحلت، والعزائم قالت وما فعلت، والنواظر في تلك المشاهد الكريمة لم تسرح، وطيور الآمال عن وكور العجز لم تبرح، فيا لها من معاهد فاز من حياها، ومشاهد ما أعطر رياها، بلاد نيطت بها عليك التمائم، وأشرقت بنورك منها النجود والتهائم (١) ، ونزل في حجراتها عليك الملك، وانجلى بضياء فرقانك فيها الحلك، مدارس الآيات والسور، ومطالع المعجزات السافرة الغرر، حيث قضيت الفروض وحتمت، وافتتحت سورة الرحمن وختمت، وابتدئت الملة الحنيفية وتممت، ونسخت الآيات وأحكمت:

أما والذي بعثك بالحق هادياً، وأطلعك للخلق نوراً بادياً، لا يطفئ غلتي إلا شربك، ولا يسكن لوعتي إلا قربك، فما أسعد من أفاض من حرم الله إلى حرمك، وأصبح بعد أداء ما فرضت عن الله ضيف كرمك، وعفر الخد في معاهدك ومعاهد أسرتك، وتردد ما بين داري بعثتك وهجرتك، وإني لما عاقتني عن زيارك العوائق، وإن كان شغلي عنك بك، وعدتني الأعداء فيك عن وصل سببي بسببك، وأصبحت بين بحر تتلاطم أمواجه، وعدوتتكاثف أفواجه، ويحجب الشمس عند الظهيرة عجاجه - في طائفة من المؤمنين بك وطنوا على الصبر نفوسهم، وجعلوا التوكل على الله وعليك لبوسهم، ورفعوا إلى مصارختك رؤوسهم، واستعذبوا في مرضاة الله تعالى ومرضاتك بوشهم، يطيرون من هيعة إلى أخرى، ويلتفتون والمخاوف عن يمنى ويسرى، ويقارعون وهم الفئة القليلة جموعاً كجموع قيصر وكسرى، لا يبلغون من عدوهوالذر عند انتشاره، عشر معشاره، قد باعوا من الله تعالى الحياة الدنيا، لأن تكون كلمة اله تعالى هي العليا، فيا له من سرب مروع، وصريخ إلا منك ممنوع، ودعاء إلى الله وإليك مرفوع، وصبية حمر


(١) نثر فيه قول الأعرابي:
بلاد بها نيطت علي تمائمي ... وأول أرض مس جلدي ترابها

<<  <  ج: ص:  >  >>