الحواصل، تخفق فوق أوكارها أجنحة المناصل، والصليب قد تمطى فمد ذراعيه، ورفعت الأطماع بضبعيه، وقد حجبت بالقتام السماء، وتلاطمت أمواج الحديد، والبأس الشديد، فالتقى الماء، ولم يبق إلا الذماء، وعلى ذلك فما ضعفت البصائر ولا ساءت الظنون، وما وعد به الشهداء تعتقده القلوب حتى تكاد تشاهده العيون، إلى أن نلقاك غذاً إن شاء الله تعالى وقد أبلينا العذر، وأرغمنا الكفر، وأعملنا في سبيل الله تعالى سبيلك البيض والسمر - استنبت (١) رقعتي هذه لتطير إليك من شوقي بجناح خافق، وتسعد من نيتي التي تصحبها برفيق موافق، فتؤدي عن عبدك وتبلغ، وتعفر الخد في تربك وتمرغ، وتطيب بريا معاهدك الطاهرة وبيوتك، وتقف وقوف الخضوع والخشوع تجاه تابوتك، وتقول بلسان التملق، عند التشبث بأسبابك والتعلق، منكسرة الطرف، حذراً بهرجها من عدم الصرف: يا غياث الامة، وغمام الرحمة، ارحم غربتي وانقطاعي، وتغمد بطولك قصر باعي، وقوعلى هيبتك خور طباعي، فكم جزت من لج مهول، وجبت من حزون وسهول، وقابل بالقبول نيابتي، وعجل بالرضى إجابتي، ومعلوم من كمال تلك الشيم، وسجايا تيك الديم، أن لا يخيب قصد من حط بفنائها، ولا يظمأ وارد أكب على إنائها.
اللهم يا من جعلته أول الأنبياء بالمعنى، وآخرهم بالصورة، وأعطيته لواء الحمد يسير آدم فمن دونه تحت ظلاله المنشورة، وملكت أمته ما زوي له من زوايا البسيطة المعمورة، وجعلتني من أمته المجبولة على حبه المفطورة، وشوقتني إلى معاهده المبرورة، ومشاهده المزروة، ووكلت لساني بالصلاة عليه، وقلبي بالحنين إليه، ورغبتني بالتماس ما لديه، فلا تقطع منه أسبابي، ولا تحرمني من حبه ثوابي، وتداركني بشفاعته يوم أخذ كتابي.
هذه يا رسول الله وسيلة من بعدت داره، وشط مزاره، ولم يجعل بيده
(١) استنبت: جواب " لما " التي وقعت قبل سطور عديدة.