للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسدد إلى الجبل النفوس القابلة للإلهام، من بعد الاستغلاق والاستبهام، وقد عبثت جوارح صخوره في قنائص الهام، وأعيا صعبه على الجيش اللهام، فأخذ مسائغه النقض والنقب، ورغا فوق أهله السقب (١) ، ونصبت المعارج والمراقي، وقرعت المناكب والتراقي، واغتنم الصادقون مع الله تعالى الحظ الباقي، وقال الشيهد السابق: يا فوز استباقي، ودخل البلد فألحم السيف، واستلبت البحت والزيف، ثم استخلصت القصبة فعلت أعلامك في أبراجها المشيدة، وظفر ناشد دينك منها بالنشيدة (٢) ، وشكر الله تعالى في قصدها مساعي النصائح الرشيدة، وعمل ما يرضيك يا رسول الله في سد ثلمها، وصون مستلمها، ومداواة ألمها، حرصاً على الاقتداء في مثلها بأعمالك، والاهتداء بمشكاة كمالك، ورتب فيها الحماة تشجي العدو، وتصل في مرضاة الله تعالى، ومرضاتك برواحها الغدو.

ثم كان الغزوإلى مدينة إطريرة (٣) بنت حاضرة الكفر إشبيلية التي أظلتها بالجناح الساتر، وأنامتها في ضمان الأمان للحسام الباتر، وقد وتر الإسلام من هذه المومسة البائسة بوتر الواتر، وأحفظ منها بأذى الوقاح المهاتر، لما جرته على أسرة من عمل الخاتل الخاتر، حسب المنقول لا بل المتواتر، فطوى إليها المسلمون المدى النازح، ولم تشك المطي الروازح، وصدق الجد جدها المازح، وخففت فوق أوكارها أجنحة الأعلام، وغشيتها أفواج الملائكة الموسومة وظلال الغمام، وصابت من السهام ودق الرهام، وكاد يكفي السهام على الأرض ارتجاج أجوائها بكلمة الإسلام، وقد صم خاطب عروس الشهادة


(١) السقب: ولد الناقة وفي العبارة إشارة إلى ما حل بقوم عندما عقروا الناقة، فيقال في المثل لتصوير الهلاك " رغا فوقهم السقب ".
(٢) النشيدة: الضالة التي تنشد أي تطلب.
(٣) إطريرة (Utrera) إلى الجنوب الشرقي في إشبيلة على بعد ٣٩ كيلومتراً، وقد ضبطت بكسر الهمزة وسكون الطاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>