للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما كان فضلك ليمنعني الكفران أن أشكره، ولا لينسيني الشيطان أن أذكره، فاتخذ في البحر سبباً (١) ، أوأسلك غير الوفاء مذهباً، تأبى ذلك - والمنة لله تعالى - طباع، لها في مجال الرعي باع، وتحقيق وإشباع، وسوائم من الإنصاف، ترعى في رياض الاعتراف، فلا يطرقها ارتياع، ولا تخيفها سباع، وكيف نجحد تلك الحقوق وهي شمس ظهيرة، وأذان عقيرة (٢) جهيرة، فوق مئذنة شهيرة، آدت الاكتاد لها ديون تستغرق الذمم، وتسترق حتى الذمم، فإن قضيت في الحياة فهي الخطة التي نرتضيها، ولا نقنع من عامل الدهر المساعد إلا أن ينفذ مراسمها ويمضيها، وإن قطع الأجل فالغني الحميد - من خزائنه التي لا تبيد - يقضيها، ويرضي من يقتضيها. وحيا الله تعالى أيها العلم السامي الجلال، زمناً بمعرفتك المبرة على الآمال، بر وأتحف، وإن أساء بفراقك وأجحف، وأعرى بعدما ألحف، وأظفر بالتيمة المذخورة للشدائد والمزاين (٣) ، ثم أوحش منها أصونة هذه الخزاين، فآب حنين الأمل بخفيه، وأصبح المغرب غريباً يقلب كفيه، ونستغفر الله تعالى من هذه الغفلات، ونستهديه دليلاً في مثل هذه الفلوات، وأي ذنب في الفراق للزمن، أولغراب الدمن، أوللرواحل المدلجة ما بين الشام إلى اليمن، وما منها إلاعبد مقهور، وفي رمة القدر مبهور، عقد والحمد لله مشهور، وحجة لها على النفس اللوامة ظهور، جعلنا الله تعالى ممن ذكر المسبب في الأسباب، وتذكر " وما يذكر إلا أولوالألباب " البقرة:٢٦٩، آل عمران:٧ قبل غلق الرهن وسد الباب، وبالجملة فالفراق ذاتي، ووعده مأتي، فإن لم يكن فكأن قد، ما أقرب اليوم من الغد، والمرء في الوجود غريب، وكل آت قريب، وما من مقام إلا لزيال، من غير احتيال، والأعمار مراحل والأيام أميال:


(١) ناظر إلى الآية القرآنية: " وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره، واتخذ سبيله في البحر ... ".
(٢) العقيرة: الصوت.
(٣) المزاين: يريد أن الدرة تتخذ لأمور الزينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>