وأما الجند فاصرف التقديم منهم للمقاتلة، والمكايدة والمخاتلة، واستوف عليهم شرائط الخدمة، وخذهم بالثبات للصدمة، ووف ما أوجبت لهم من الجراية والنعمة، وتعاهدهم عند الغناء بالعلفة والطعمة، ولا تكرم منهم إلا من أكرمه غناؤه، وطاب في الذب عن ظنك ثناؤه، وول عليهم النبهاء من خيارهم، واجتهد في صرفهم عن الافتتان بأهليهم وديارهم، ولا توطئهم الدعة مهاداً، وقدمهم على حصصك وبعوثك مهما أردت جهاداً، ولا تلين لهم في الإغماض عن حسن طاعتك قياداً، وعودهم حسن المواساة بأنفسهم اعتياداً، ولا تسمح لأحد منهم في إغفال شيء من سلاح استظهاره، أوعدة اشتهاره، وليكن ما فضل من شبعهم وريهم، مصروفاً إلى سلاحهم وزيهم، والتزيد في مراكبهم وغلمانهم، من غير اعتبار لأثمانهم، وامنعهم من المستغلات والمتاجر، وما تكسب به غير المشاجر، وليكن من الغوار اكتسابهم، وعلى المغانم حسابهم، كالجوارح التي تفسد باعتيادها، أن تطعم من غير اصطيادها.
واعلم أنها لا تبذل نفوسها من عالم الإنسان، إلا لمن يملك قلوبها بالإحسان وفضل اللسان، ويملك حركاتها بالتقويم، ورتبها بالميزان القويم، ومن تثق بإشفاقه على أولادها، ويشتري رضى الله تعالى بصبره على طاعته وجلادها، فإذا استشعرت لها هذه الخلال تقدمتك إلى مواقف التلف، مطيعة دواعي الكلف، واثقة منك بحسن الخلف، واستبق إلى تمييزهم استباقاً، وطبقهم طباقاً، أعلاها من تأملت منه في المحاربة عنك أخطاراً، وأبعدهم في مرضاتك مطاراً، وأضبطهم لما تحت يده من رجالك حزماً ووقاراً، واستهانة بالعظائم واحتقاراً، وأحسنهم لمن تقلده أمرك من الرعية جواراً، إذا أجدت اختباراً، وأشدهم على مماطلة من مارسه من الخوارج عليك اصطبارً، ومن بلا في الذي عن لك إحلاء وإمراراً، ولحقه الضر في معارض الدفاع