للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجن، ومن توفر النزوع إلى الخيرات قبله، وقصر عن جمال الصورة ورسم بالبله.

ثم لما بلغ إلى هذا الحد حمي وطيس اسحنفاره، وختم حزبه باستغفاره، ثم صمت ملياً، واستعاد كلاماً أولياً.

ثم قال: واعلم يا أمير المؤمنين - سدد الله تعالى سهمك لأغراض خلافته وعصمك من الزمان وآفته - أنك في مجلس الفصل، ومباشرة الفرع من ملكك والأصل، في طائفة من عز الله تعالى تذب عنك حماتها، وتدافع عن حوزتك كماتها، فاحذر أن يعدل بك غضبك عن عدل تزري منه بضاعة، أويهجم بك رضال على إضاعة، ولتكن قدرتك وقفاً على الاتصاف، بالعدل والإنصاف، واحكم بالسوية، واجنح بتدبيرك إلى حسن الروية، وخف أن تقعد بك أناتك عن حزم تعين، أوتستفزك العجلة في أمر لم يتبين، وأطع الحجة ما توجهت إليك، ولا تحفل بها إذا كانت عليك، فانقيادك إليها أحسن من ظفرك، والحق أجدى من نفرك، ولا تردن النصيحة في وجه، ولا تقابل عليها بنجه، فتمنعها إذا استدعيتها، وتحجب عنك إن استوعيتها، ولا تستدعها من غير أهلها، فيشغبك أولوالأغراض بجهلها، واحرص على أن لا ينقضي مجلس جلسته، أوزمن اختلسته، إلا وقد أحرزت زائدة، أووثقت منه في معادك بفائدة.

ولا يزهدنك في المال كثرته، فتقل في نفسك أثرته، وقس الشاهد بالغائب، واذكر وقوع ما لا يحتسب من النوائب، فالمال المصون، أمنع الحصون، ومن قل ماله، قصرت آماله، وتهاون بيمينه شماله، والملك إذا فقد خزينه، اخنى على أهل الجدة التي تزينه، وعاد على رعيته بالإجحاف، وعلى جبايته بالإلحاف، وساء معتاد عيشه، وصغر في عيون جيشه، ومنوا عليه بنصره، وأنفوا من الاقتصار على قصره، وفي المال قوة سماوية تصرف الناس لصاحبه، وتربط آمال أهل السلاح به، والمال نعمة الله تعالى فلا تجعله ذريعة إلى خلافه، فتجمع

<<  <  ج: ص:  >  >>