بالشهوات بين إتلافك وإتلافه، واستأنس بحسن جوارها، واصرف في حقوق الله تعالى بعض أطوارها، فإن فضل المال عن الأجل فأجل، ولم يضر ما خلف منه بين يدي الله عز وجل، وما ينفق في سبيل الشريعة، وسد الذريعة، مأمول خلفه، وما سواه فمتعين تلفه.
واستخلص لنواديك الغاصة، ومجالسك العامة والخاصة، من يليق بولوج عتبها، والعروج لرتبها، أما العامية فمن عظم عند الناس قدره، وانشرح بالعلم صدره، أوظهر يساره، وكان لله تعالى إخباته وانكساره، ومن كان للفتيا منتصباً، وبتاج المشورة معتصباً، وأما الخاصية فمن رقت طباعه، وامتد فيما يليق بتلك المجالس باعه، ومن تبحر في سير الحكماء، وأخلاق الكرماء، ومن له فضل سافر، وطبع للدينة منافر، ولديه من كل ما تستتر به الملوك عن العوام حظ وافر، وصف ألبابهم بمحصول خيرك، وسكن قلوبهم بيمن طيرك، وأغنهم ما قدرت عن غيرك. واعلم بأن مواقع العلماء من ملكك مواقع المشاعل المتألقة، والمصابيح المتعلقة، وعلى قدر تعاهدها تبذل من الضياء، وتجلوبنورها صور الأشياء، وفرغها ما يزين مدتك، ويحسن من بعد البلاء جدتك، وبعناية الأواخر ذكرت الأول، وإذا محيت المفاخر خربت الدول.
واعلم أن بقاء الذكر مشروط بعمارة البلدان، وتخليد الآثار الباقية في القاصي والدان، فاحرص على ما يوضح في الدهر سبلك، ويحرز المزية على من قبلك، وأن خير الملوك من ينطق بالحجة وهوقادر على القهر، ويبذل الإنصاف في السر والجهر، مع التمكن من المال والظهر، ويسار الرعية جمال للملك وشرف، وفاقتهم من ذلك طرف، فغلب أليق الحالين بمحلك، وأولاهما بظعنك وحلك.
واعلم أن كرامة الجور دائرة، وكرامة العدل متكاثرة، والغلبة بالخير