للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أنك مع كثرة حجابك، وكثافة حجابك، بمنزلة الظاهر للعيون، المطالب بالديون، لشدة البحث عن أمورك، وتعرف السر الخفي بين أمرك ومأمورك، فاعمل في سرك ما لا تستقبح أن يكون ظاهراً، ولا تأنف أن تكون به مجاهراً، وأحكم بريك في الله ونحتك، وخف من فوقك يخف من تحتك، واعلم أن عدوك من أتباعك من تناسيت حسن قرضه، أوزادت مؤونته على نصيبه منك وفرضه، فاصمت الحج، وتوق اللجج، واسترب بالأمل، ولا يحملنك انتظام الأمور على الاستهانة بالعمل، ولا تحقرن صغير الفساد، فيأخذ في الاستئساد، واحبس الألسنة عن التخالي باغتيابك، والتشبث بأذيال ثيابك، فغن سوء الطاعة ينتقل من الأعين الباصرة، إلى الألسن القاصرة، ثم إلى الأيدي المتناصرة، ولا تثق بنفسك في قتال عدوناواك، حتى تظفر بعدوغضبك وهواك، وليكن خوفك من سوء تدبيرك، اكثر من عدوك الساعي في تتبيرك (١) ، وإذا استنزلت ناجماً (٢) ، أومنت ثائراً هاجماً، فلا تقلده البلد الذي فيه نجم، وهمى عارضه فيه وانسجم، يعظم عليك القدح في اختيارك، والغض نم إيثارك، واحترز من كيده في حورك ومأمك (٣) ، فإنك أكبر همه وليس بأكبر همك، وجمل المملكة بتأمين الفلوات، وتسهيل الأقوات، وتجديد ما يتعامل من الصرف في البياعات، وإجراء العوائد مع الأيام والساعات، ولا تبخس عيار قيم البضاعات، ولتكن يدك عن أموال الناس محجورة، وفي احترامها إلا عن الثلاثة مأجورة: مال من عدا طوره طور أهله، وتخارق في الملابس والزينة، وفضول المدينة، يروم معارضتك بجهله؛ ومن باطن أعداك، وأمن اعتدال؛ ومن أساء جوار رعيتك بإخساره، وبذل الأذاية فيهم بيمينه ويساره.


(١) التتبير: الهلاك.
(٢) الناجم: الثائر.
(٣) الحور: العودة؛ والمأم: القصد.

<<  <  ج: ص:  >  >>