للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كلامه وتصريع أجزائه، نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله، ونظموا في طريقتهم بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيه إعراباً (١) ، واستحدثوا فناً سموه بالزجل، والتزموا النظم فيه على مناجيهم إلى هذا العهد فجاءوا فيه بالغرائب واتسع فيه للبلاغة مجال، بحسب لغتهم المستعجمة، وأوّل من أبدع في هذه الطريقه الزجلية أبو بكر ابن قزمان، وإن كانت قيلت قبله بالأندلس (٢) ، لكن لم تظهر حلاها، ولا انسبكت معانيها، واشتهرت رشاقتها، إلا في زمانه، وكان لعهد الملثّمين، وهو إمام الزجالين على الإطلاق، قال ابن سعيد: رأيت أزجاله مرويّة ببغداد أكثر ممّا رأيتها بحواضر المغرب، قال: وسمعت أبا الحسن ابن جحدر الإشبيلي (٣) إمام الزجالين في عصرنا يقول: ما وقع لأحد من أئمّة هذا الشأن مثل ما وقع لابن قزمان شيخ الصناعة، وقد خرج إلى منتزه مع بعض أصحابه، فجلسوا تحت عريش، وأمامهم تمثال أسد من رخام يصب الماء على صفائح من الحجر، فقال:

وعريش قد قام على دكان ... بحال رواق

وأسد قد ابتلع ثعبان ... من غلظ ساق

وفتح فمو بحال إنسان ... به الفواق

وانطلق من ثم على الصّفاح ... والقي الصياح


(١) يؤخذ من هذا أن ابن خلدون يرى أسبقية الموشح على الزجل، وهو أمر يخالف طبيعة الأشياء، لأن الزجل في أصله أغنية شعبية، وإنما يعني ابن خلدون أن الزجل أحرز " مكانة أدبية " بعد شيوع الموشح.
(٢) ظهر من الزجالين ابن نمارة وابن راشد قبل ابن قزمان ولكنه خالف طريقة القدامى - كما يسميهم - واختار العودة بالزجل إلى سهول الأغنية الشعبية ورقتها.
(٣) هو علي بن جحدر (المغرب ١: ٢٦٣ واختصار القدح: ١٧٢) قال ابن سعيد: أكثر اشتهاره بانطباع في الزجل، وجالسته كثيراً بإشبيلية، وطال عمره حتى جاوز التسعين ومات سنة ٦٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>