فيا ركب المنون ألا رسولٌ ... يبلّغ روحها أرج السلام
سألت متى اللّقاء فقيل حتى ... يقوم الهامدون من الرّجام ولما فاتت سرقسطة من يد الإسلام، وباتت نفوس المسلمين فرقاً منهم في يد الاستسلام، ارتاب بقبح أفعاله، وبرىء من احتذائه بتلك الآراء وانتعاله، وأخافه ذنبه، ونبا عن مضجع الأمن جنبه، فكرّ إلى الغرب ليتوارى في نواحيه، ولا يتراءى لعين لائمه ولاحيه، فلمّا وصل شاطبة حضرة الأمير إبراهيم بن يوسف بن تاشفين وجد باب نفاذه وهو مبهم، وعاقه عنه مدلول (١) عليه ملهم، فاعتقله اعتقالاً شفى الدين من آلامه، وشهد له بعقيدة إسلامه، وفي ذلك يقول، وهو معقول، ويصرح بمذهبه الفاسد، وغرضه المستاسد:
خفض عليك فما الزمان وريبه ... شيء يدوم ولا الحياة تدوم
واذهب بنفس لم تضع لتحلها ... حيث احتللت بها وأنت عليم
يا صاحبي لفظاً ومعنى خلته ... من قبل حتى بيّن التقسيم
دع عنك من معنى الإخاء ثقيله ... وانبذ بذاك العبء وهو ذميم
واسمح وطارحني الحديث فإنّه ... ليل كأحداث الزمان بهيم
خذني على أثر الزمان فقد مضى ... بؤس على أبنائه ونعيم
هيهات ساوت بينهم أجداثهم ... وتشابه المحسود والمحروم ولمّا خلص من تلك الحبالة ونجا، وأنار من سلامته ما كان دجا، احتال في إخفاء ماله، واستيفاء آماله، فأظهر الوفاء للأمير أبي بكر بالرثاء له والتأبين، وتداهيه في ذلك واضح مستبين، فإنّه وصل بهذه النزعة من الحماية إلى حرم،