وحصل في ذمة ذلك الكرم، واشتمل بالرّعي، وأمن من كلّ سعي، فاقتنى قياناً، ولقنهن أعاريض من القريض وركّب عليها ألحاناً أشجى من النّوح، ولطف بها إلى إشادة الإعلان باللوعة والبوح، فسلك بها أبدع مسلك، وأطلعها نيرات ما لها غير القلوب من فلك، فمن ذلك قوله:
إنّ غراباً جرى ببينهم ... جاوبه بالثنيّة الصّرد
طاروا فها أنت بعدهم جسد ... قد فارق الروح ذلك الجسد
واكتتموا صبحةً بينهم ... فبئس والله ما الذي اعتمدوا وكقوله:
سلام وإلمام ووسميّ مزنة ... على الجدث النائي الذي لا أزوره
أحقاً أبو كبر تقضّى فلا يُرى ... ترد جماهير الوفود ستوره
لئن أنست تلك القبور بلحده ... لقد أوحشت أنصاره وقصوره ومن قلّة عقله ونزارته، أنّه في مدة وزارته، سفر بين الأمير أبي بكر رحمه الله تعالى وبين عماد الدولة بن هود رحمه الله تعالى بعد سعايات عليه أسلفها، وذخائر كانت له على يديه أتلفها، فوافاه أوغر ما كان عليه صدراً، وأصغر ما كان لديه قدراً، فآل به ذلك الانتقال، إلى الاعتقال، فأقام فيه شهوراً يغازله اعلحمام بمقلة شوهاء، وتنازله الأوهام بفطرته الورهاء، وفي ذلك يقول:
لعلّك يا يزيرد علمت حالي ... فتعلم أيّ خطب قد لقيت
وإنّي إن بقيت بمثل ما بي ... فمن عجب الليالي أن بقيت
يقول الشامتون شقاء بختٍ ... لعمر الشامتين لقد شقيت
أعندهم الأمان من اللّيالي ... وسالمهم بها الزمان المقيت