وعزم عماد الدولة يوماً على قتله، وألزم المرقبين به التحيّل على ختله، فنمي إليه الأمر الوعر، وارتمى به في لجج اليأس الذعر، فقال:
أقول لنفسي حين قابلها الردى ... فراغت فراراً منه يسرى إلى يمنى
قري تحمدي بعض الذي تكرهينه ... فقد طالما اعتدت الفرار إلى الأهنا ثم قضى له قدر قضى بإنظاره، وما أمضى من إباحته ما كان رهين انتظاره، ويمهل الفاجر حكمةً من الله تعالى وعلماً و {إنّما نملي لهم ليزدادوا إثماً}(آل عمران: ١٧٨) ؛ انتهى نص القلائد.
[ثناء الفتح على ابن باجة]
وأين هذا من تحليته له في بعض كتبه بقوله فيه ما صورته: نور فهم ساطع، وبرهان علم لكل حجة قاطع، تتوّجت بعصره الأعصار، وتأرّجت من طيب ذكره الأمصار، وقام أوان المعارف واعتدل، ومال للأفهام فنناً وتهدّل، وعطّل بالبرهان التقليد، وحقّق بعد عدمه الاختراع والتوليد، إذا قدح زند فهمه أورى بشرر للجهل محرق، وإن طما بحر خاطره فهو لكل شيء مغرق، مع نزاهة النفس وصونها، وبعد الفساد من كونها، والتحقيق، الذي هو للإيمان شقيق، والجد، الذي يخلق العمر وهو مستجد، وله أدب يودّ عطارد أن يلتحفه، ومذهب يتمنى المشتري أن يعرفه، ونظم تعشقه اللبّات والنحور، وتدّعيه مع نفاسة جوهرها البحور، وقد أثبت منه ما تهوى الأعين النّجل أن يكون إثمدها، ويزيل من النفوس حزنها وكمدها، فمن ذلك قوله يتغزل:
أسكّان نعمان الأراك تيقّنوا ... بأنّكم في ربع قلبي سكّان