وقد كنت أهوى خدّه وهو عاطل ... فكيف وقد أضحى لعيني حاليا وله أيضاً في مثله:
أجيل الطرف في خدٍّ نضيرٍ ... يردد ناظري نظري إليه
إذا رمدت بحمرته جفوني ... شفاها منه إثمد عارضيه ١١ - أبو الحسن علي بن جودي (١) :
برّز في الفهم، وأحرز منه أوفر سهم، وعانى العلوم بقريحة ذكيّة، وواخى بنفس في المعارف زكية، وله أدب واسع مداه، يانع كالروض بلّله نداهن، ونظمٌ أرقّ من دمع العاني، ولطيف المعاني، وأعبق من نفس الخمائل، في أكفّ الصّبا والشمائل، ونثر كالزهر المطلول، أو السلك المحلول، إلا أنّه سها فأسرف، وزها بما لا يعرف، وتصدى إلى الدين بالافتراء، ولم يراقب الله تعالى في ذلك الاجتراء، واشتهرت عنه في ذلك أقوال سدّد إلى الملّة نصالها، وأبدى بها ضلالها، فعظمت به المحنة، وكمنت له في كل نفس إحنة، ومازال يتدرّج فيها وينتقل، حتى عثر وما كاد يستقل، فمر لا يلوي على تلك النواحي، وفرّ لا ينثني إلى لوائم ولواحي، وما زال يركب الأهواء ويخوضها، ويذلل النفس بها ويروضها، حتى أسمحت ببعض الإسماح، وكفّت عن ذلك الجماح، واستقر عند أبي مالك فآواه، ومهّد له مثواه، وجعله في جملة من اختص من المبطلين، واستخلص من المعطلين، فكثيراً ما يصطفيهم، ولا يدري أيدّخرهم أم يقتنيهم، وقد أثبتُّ له ما يبهر سامعاً، ويظهر برقاً لامعاً، فمن ذلك قوله:
أحنّ إلى ريح الشمال فإنّها ... تذكرنا نجداً وما ذكرنا نجدا
تمرُّ على ربعٍ أقام به الهوى ... وبدَّل من أهليه جائمةً رُبدا