ولا بأس أن نلم بشيء من نظمه البارع ممّا كنت انتقيته بالمغرب من تأليف ابن الأحمر المذكور، وأوردت كثيراً منه في أزهار الرياض.
فمن ذلك قوله في ذكر غرناطة العلية، وتهنئة سلطانه الغني بالله ببعض المواسم العيدية، ووصف كرائم جياده، وآثار ملكه وجهاده:
يا من يحنّ إلى نجد وناديها ... غرناطة قد ثوت نجد بواديها
قف بالسبيكة وانظر ما بساحتها ... عقيلة والكثيب الفرد جاليها (١)
تقلّدت بوشاح النهر وابتسمت ... أزهارها وهي حليٌ في تراقيها
وأعين النرجس المطلول يانعة ... ترقرق الطلّ دمعاً في مآقيها
وافترّ ثغر أقاحٍ من أزاهرها ... مقبّلاً خدّ ورد من نواحيها
كأنّما الزهر في حافاتها سحراً ... دراهم والنسيم اللّدن يجبيها
وانظر إلى الدّوح والأنهار تكنفها ... مثل الندامى سواقيها سواقيها
كم حولها من بدورٍ تجتني زهراً ... فتحسب الزهر قد قبّلن أيديها
حصباؤها لؤلؤ قد شفّ جوهرها ... والنهر قد سال ذوباً من لآليها
نهر المجرّة والزّهر المطيف به ... زهر النجوم إذا ما شئت تشبيها
يزيد حسناً على نهر المجرّة قد ... أغناه درّ حباب عن دراريها
يدعى المنجّم راثيه وناظره ... مسميّات أبانتها أساميها
إن الحجاز مغانيه بأندلس ... ألفاظها طابقت منها معانيها
فتلك نجد سقاها كلّ منسجمٍ ... من الغمام يحيّيها فيحييها
وبارق وعذيب كل مبتسم ... من الثغور يجلّيها مجلّيها
وإن أردت ترى وادي العقيق فرد ... دموع عشاقها حمراً جواريها
وللسبيكة تاج فوق مفرقها ... تودّ درّ الدراري لو تحلّيها
(١) حين عدد لسان الدين البساتين والمتنزهات في غرناطة قال: " ومدرج نجد السبيكة وجنة العريف " وتقع السبيكة إلى الجنوب الشرقي من الحمراء.