على قبره، ويدسها في أواني في القبر معدة لذلك، ومن عجز عن النقدين تصدق بالطعام ونحوه، فإذا خف الزائرون آخر النهار عمد القائم إلى التربة إلى ما أودع هناك في تلك الأواني وفرّقه على المحاويج الحافّين بالروضة، ويحصون كل عشية، ويعمهم الرزق المودع فيها، وإن قصر عنهم كملوه في غده.
قال ابن الخطيب لسان الدين: وترافع خدام الروضة لقاضي البلد، وتخاصموا في أمر ذاك الرزق المودع هناك، فسألهم القاضي عن خرجه اليوم، فقالوا: يحصل في هذه الأيام في اليوم الواحد ثمانمائة مثقال ذهباً عيناً، وربما وصل في بعض الأيام لألف دينار فما فوقها، فروضة هذا الوليّ ديوان الله تعالى في المغرب لا يحصى دخله ولا تحصر جبايته، فالتبر يسيل، واللجين يفيض، وذو الحاجة كالطير تغدو خماصاً وترجع بطاناً؛ يختص برحمته من يشاششء والله ذو الفضل العظيم.
قال: وأنا ممّن جرب المنقول عن القبر، فاطّرد القياس، وتزيفت الشبهة، وتعرفت من بدء زيارته ما تحقّقت من بركته، وشهد على برهان دعوته؛ انتهى.
وقال الشيخ أبو الحجاج يوسف التادلي في كتابه " التشوّف إلى رجال التصوّف "(١) : كان أبو العباس جميل الصورة، أبيض اللون، حسن الثياب، فصيح اللسان، مقتدراً على الكلام، حليماً صبوراً، يحسن إلى من يؤذيه، ويحلم على من يسفه عليه، رحيماً عطوفاً محسناً إلى اليتامىة والأرامل، يجلس حيث أمكنه الجلوس من الطرق والسوق، ويحض على الصدقة، ويذكر في فضلها آيات وأحاديث، ويأخذها ويفرقها على المساكين، ويرد أصول الشرع إلى الصدقة، ويفسّرها بها، ويقول: معنى قول المصلي الله أكبر أي: من أن نضن عليه بشيء، فمن رأى شيئاً من متاع الدنيا في نفسه أكبر فلم يحرم ولا كبّر، ومعنى رفع اليدين للتكبير: تخليت من كل شيء لا قليلاً ولا كثيراً،