للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال في " الإحاطة ": صاحبنا الفقيه الخطيب، كاتب الإنشاء بالباب السلطاني أبو محمد، نسيج وحده في أصالة البيت وعفاف النشأة، مقصود المنزل، نبيه الصهر، معم مخول في الأصالة، بارع الخط، جيّد القريحة، سيّال المداد، نشيط البنان، جلد على العمل، خطيب ناظم ناثر، قرأ بغرناطة، وولي الخطابة بالمسجد الأعظم والقضاء سنتين ببلده في حداثة السن، ثم انتقل إلى غرناطة فجأجأت به الكتابة السلطانية داحضة بالحق، آوته إلى هضبة أمانة مستظهرة ببطل كفاية، فاستقل رئيساً في غرض إعانتي وانتشالي من هفوة الكلفة على جلل الضعف وإلمام المرض. ثم كشفت الخبرة منه عند الحادثة على الدولة، وإزعاجها من الأندلس عن سوأة لا توارى، وعورة لا يرتاب في أشنوعتها ولا يتمارى، فسبحان من علّم النفس فجورها وتقواها، إذ لصق بالدائل الفاسق (١) فكان آلة انتقامه، وجارحة صيده، وأحبولة كيده، فسفك الدماء، وهتك الأستار، ومزق الأسباب، وبدل الأرض غير الأرض، وهو يزقه في أذنه زقوم النصيحة، وينحله لقب الهداية، ويبلغ في شدّ أزره إلى الغاية، عنوان عقل الفتى اختياره، يجري في سبيل دعوته طوالاً، أخرق يسيء السمع فيسيء الإجابة، بدويّاً قحّاً جهوريّاً ذاهلاً عن عواقب الدنيا والآخرة، طرفاً في سوء العهد وقلّة الوفاء، مردوداً في الحافرة، منسلخاً من آية السعادة، تشهد عليه بالجهل يده، ويقيم عليه الحجج شرهه (٢) ، وتبوئه هفوات الندم جهالته، ثم أسلم المحروم مصطنعه أحوج ما كان إليه، وتبرأ منه، ولحقته بعده مطالبة مالية لقي لأجلها ضغطاً، وهو الآن بحال خزي، واحتقاب تبعات، واستدعيت شيئاً من نظمه ونثره حال التصنيف ليترجم به، فكتب إليّ ما نصّه:

يا سيّداً فاق في مجد وفي شرف ... وفات سبقاً بفضل الذات والسلف


(١) يعني السلطان النصري الذي هرب منه لسان الدين إلى المغرب.
(٢) ق: شره.

<<  <  ج: ص:  >  >>