للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض الغرناطيين إلى الديار المصرية، وكان من جملة الأسرى (١) امرأة الطاغية وأولاده، فبذلت في نفسها مدينة طريف وجبل الفتح وثمانية عشر حصناً فيما حكى بعض المؤرخين، فلم يقبل المسلمون ذلك، وزادت عدّة القتلى في هذا الغزوة على خمسين ألفاً، ويقال: إنّه هلك منهم بالوادي مثل هذا العدد، لعدم معرفتهم بالطريق، وأمّا الذين هلكوا بالجبال والشّعاب فلا يحصون، وقتل الملوك الخمسة والعشرون جميعهم، واستمر البيع في الأسرى والأسباب والدواب ستة أشهر، ووردت البشائر بهذا النصر العظيم إلى سائر البلاد.

ومن العجب أنّه لم يقتل من المسلمين والأجناد سوى ثلاثة عشر فارساً، وقيل: عشرة أنفس، وقيل: كان عسكر الإسلام نحو ألف وخمسمائة فارس، والرّجّالة نحواً من أربعة آلاف راجل، وقيل دون ذلك.

وكانت الغنيمة تفوت الوصف، وسلخ الطاغية دون بطره وحشي جلده قطناً، وعلّق على باب غرناطة، وبقي معلّقاً سنوات؛ وطلبت النصارى الهدنة، فعقدت لهم بعد أن ملكوا جبل الفتح الذي كان من أعمال سلطان فاس والمغرب، وهو جبل طارق، ولم يزل بأيديهم إلى أن ارتجعه أمير المسلمين أبو الحسن المريني صاحب فاس والمغرب، بعد أن أنفق عليه الأموال، وصرف إليه الجنود والحشود، ونازلته جيوشه مع ولده وخواصه، وضيقوا به، إلى أن استرجعوه ليد المسلمين، واهتم ببنائه وتحصينه، وأنفق عليه أحمال مالٍ في بنائه وحصنه وسوره وأبراجه وجامعه ودوره ومخازنه، ولم كاد يتم ذلك نازله العدوّ برّاً وبحراً، فصبر المسلمون، وخيّب الله سعي الكافرين، فأراد السلطان المذكور أن يحصّن سفح الجبل بسور محيط به من جميع جهاته حتى لا يطمع عدوّ في منازلته، ولا يجد سبيلاً للتضييق عند محاصرته، ورأى الناس ذلك من المحال، فأنفق الأموال، وأنصف العمال، فأحاط بمجموعه إحاطةً


(١) ك: الأسارى.

<<  <  ج: ص:  >  >>