للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسر، ويقيم شتّى الأدلّة على الوداد المستقر، ووجّهنا في غرض الرسالة به إليكم، واخترنا لشرحه بين يديكم، خطيب الوفود، وبركة المشايخ في هذا المقام المحمود، الشيخ الجليل الشهير الكبير الصالح الفاضل أبا البركات ابن الحاج (١) - وصل الله حفظه؛ وأجزل من الحمد واللطف حظّه؛ - وهو البطل الذي لا يعلّم الإجالة في الميدان، ولا يبصّر بوظائف ذلك الشان، ومرادنا منه أن يطيل ويطيب، ويجيل في وصف محاسنكم اللسان الرّطيب، ويقرّر ما عندنا لمقامكم من التشيّع الذي قام على الحب المتوارث أساسه، واطّرد حكمه وأنتج قياسه، وليجعل تلو مقصد الهناء، بمجلسكم الباهر السناء، الصارف إلى الجهاد إلى سبيل الله والفناء، وجه التهمّم والاعتناء، على مر الآناء، ما تجدّد لدينا من الأنباء في جهاد الأعداء، وإن كان رسولكم - أعزه الله تعالى - قد شارك في السّرى والسير ويمن الطّير، وأغنى في الحكاية عن الغير، فلا سرف في الخير، وهو أننا لما انصرفنا من منازلة قرطبة نظراً للحشود التي نفدت معدّا أزوادها، وشابت بهشيم الغلّة المستغلّة (٢) مفارق بلادها، وإشفاقاً لفساد أقواتها، بفوات أوقاتها، رحلنا عنها وقد انطوينا من إعفاء أكثر (٣) تلك الزروع، المائلة الفروع، الهائلة الروع، على همّ ممض، وأسف للمضاجع مقض (٤) ، إذ كان عاذل المطر يكف ألسنة النار عن المبالغة في التهابها، وحلاق إهابها، ونفض أغوارها، ونهب شوارها، وإذاعة أسرارها، وهي البحور المتلاطمة، إذا حطمتها الرياح الحاطمة، واللّجج الزاخرة، إذا حركتها


(١) أبو البركات ابن الحاج: محمد بن محمد بن إبراهيم ابن الحاج البلقيقي السلمي (توفي ٧٧٣ أو ٧٧١) أحد شيوخ لسان الدين؛ سيترجم له المقري وانظر الكتيبة الكامنة: ١٢٧ والإحاطة ٢: ١٠١ والمرقبة العليا: ١٦٤ والديباج ١٦٤ والتعريف بابن خلدون: ٦١ وغاية النهاية ٢: ٢٣٥.
(٢) ق: المستقبلة.
(٣) أكثر: سقطت من ق.
(٤) ق ك: مغض.

<<  <  ج: ص:  >  >>