للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لوقوع الجوع، وتسبيب تخريب الربوع، فمن المنكر البعيد، أن يتأتى بعد عمرانها المعهود، وقد اصطلم الزرع واجتثّ العود، وصار إلى العدم منها الوجود، ورأوا من عزائم (١) الإسلام خوارق تشذّ عن نطاق العوائد، وعجائب تستريب فيها عين المشاهد، إذ اشتمل هذا العام، المتعرّف فيه من الله تعالى الإنعام، على غزواتٍ أربع دمرت فيها القواعد الشهيرة تدميراً، وعلا فوق مراقيها الأذان عزيزاً جهيراً، وضويقت كراسيّ الملك تضييقاً كبيراً، وأذيقت وبالاً مبيراً، ورياح الإدالة إن شاء الله تعالى تستأنف هبوباً، وبأساً مشبوباً، والثقة بالله قد ملأت نفوساً مؤمنة وقلوباً، والله سبحانه المسؤول أن يوزع شكر هذه النعمة التي أثقل الأكتاد، وأبهظت الطّوق المعتاد، وأبهجت المسيم (٢) والمرتاد، فبالشكر يستدر مزيدها (٣) ، ويتوالى تجديدها، وقطعنا في بحبوحة تلك العمالة المستبحرة العمارة، والفلج المغني وصفها عن الشرح والعبارة، مراحل ختمنا بالتعريج على حزب (٤) جيّان حربها، ففللنا ثانية غربها، وحثثنا في أنجادها وأغوارها ركائب الاستيلاء، فم نترك بها ملقط طير، فضلاً عن معاف عير، ولا اسأرنا لفلها المحروب بلالة خير، وقفلنا وقد تركنا بلاد النصارى التي منها لكيادنا المدد، والعدّة والعدد، وفيها الخصام واللّدد، قد لبست الحداد حريقاً، وسلكت إلى الخلاء والجلاء طريقاً، ولم نترك بها مضغة تخالط ريقاً، ولا نعمة تصون من الفراق فريقاً، وما كانت تلك النعم لولا أن أعان الله تعالى من عنصري النار والهواء بجنود كونه الواسع، ومدركه البعيد الشاسع، لتتولى الأيدي البشريّة تغريبها ولا ترزأ كثيرها، ولا


(١) ق: غرائب.
(٢) ك: المثيم.
(٣) ك ق ط ج: فريدها.
(٤) ق: خرب؛ ك: حرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>