للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والده الناصر في قبلة جامع الزهراء، لأن أهل التعديل يقولون بانحراف قبلة الجامع القديمة إلى نحو الغرب، فقال له الفقيه أبو إبراهيم: يا أمير المؤمنين، إنّه قد صلى إلى هذه القبلة خيار هذه الأمّة من أجدادك الأئمة وصلحاء المسلمين وعلمائهم، منذ افتتحت الأندلس إلى هذا الوقت، متأسّين بأوّل من نصبها من التابعين كموسى بن نصير وحنش الصنعاني وأمثالهما، رحمهم الله تعالى؛ وإنّما فضل من فضل بالاتّباع، وهلك من هلك بالابتداع، فأخذ الخليفة برأيه، وقال: نعم ما قلت، وإنّما مذهبنا الاتّباع.

قال ابن بشكوال: ونقلت من خط أمير المؤمنين المستنصر أن النفقة في هذه الزيادة وما اتصل بها انتهت إلى مائتي ألف دينار وأحد وستين ألف دينار وخمسمائة دينار وسبعة وثلاثين ديناراً ودرهمين ونصف.

ثم ذكر الصومعة نقلاً عن ابن بشكوال فقال: أمر الناصر عبد الرحمن بهدم الصومعة الأولى سنة ٣٤٠ (١) وأقام هذه الصومعة البديعة، فحفر في أساسها حتى بلغ الماء مدّة من ثلاثة وأربعين يوماً، ولمّا كملت ركب الناصر إليها من مدينة الزهراء وصعد في الصّومعة من أحد درجيها، ونزل من الثاني، ثم خرج الناصر وصلى ركعتين في المقصورة، وانصرف، قال: وكانت الأولى ذات مطلع واحد، فصير لهذه مطلعين، فصل بينهما البناء، فلا يلتقي الراقون فيها إلاّ بأعلاها، تزيد مراقي كل مطلع منها على مائةٍ سبعاً.

قال: وخبر هذه الصومعة مشهور في الأندلس (٢) ، وليس في مساجد المسلمين صومعة تعدلها.

قال ابن سعيد: قال ابن بشكوال هذا لأنّه لم ير صومعة مراكش ولا صومعة إشبيلية التين بناهما المنصور من بني عبد المؤمن، فهما أعظم وأطول، لأنّه ذكر أن طول صومعة قرطبة إلى مكان موقف المؤذن أربعة وخمسون ذراعاً


(١) ق: ٣٣٠.
(٢) ك ط ج: في الأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>