الغصين، وكانت للمقري مكانة عند أمير غزة، فسأله تلميذه الشيخ عبد القادر ابن الشيخ الغصين أن يتوسط لدى الأمير بأن يسمح له ببناء بيت ببعض رحاب المسجد (إذ كانت دار الغصين بعيدة عن المسجد وكانت مهمته أن يقرأ ويقرئ في المسجد نفسه) فقال له المقري: لا بد من حضورك معي عند الدخول على الأمير، فلما دخلا عليه قدم المقري للأمير مقدمات في فضل بناء المساجد والمدارس، ثم أنني على الشيخ عبد القادر، وقال له: إنه من أهل العلم وليس ببلدكم مثله، وأراد أن تأذنوا له في بناء المساجد يقرأ فيه ويقرئ، فقال الباشا: مثلك لا يليق له البناء في المسجد ولكن هنا موضع نحبسه عليك - وهو موضع المدرسة - فكان إنشاء تلك المدرسة بفضل وساطة المقري؛ وقص الشيخ عبد القادر أيضاً حكاية تدل على تواضع المقري أثناء إقامته بغزة، وذلك أن الشيخ الغصين قال له:((يا سيدي أحمد إنا نشتهي الطعام المسمى عند المغاربة بالكسكس فهل في أصحابكم من يحسن صنعه؟)) فما كان من المقري إلا أن صنعه لهم بنفسه؛ وكان عبد القادر يحتفظ بنسخة من كتاب شيخه المقري المسمى ((إضاءة الدجنة بعقائد أهل السنة)) وعليها تعليقات بخط المؤلف قيدها لدى مروره بمدينة غزة في تلك السفرة.
عاد المقري إلى مصر رغم إعجابه بدمشق وأهلها، وكان أثناء إقامته الطويلة بمصر قد تزوج امرأة من عائلة السادة الوفائية، رزق منها بنتاً، توفيت عام ١٠٣٨، ويبدو أن العلاقة بينه وبين زوجته لم تكن موشحة بالوفاق، مما اضطره إلى تطليقها؛ وقد زادت هذه الحادثة من تنغيص حياته بمصر، ويقول الخفاجي: إنه وجد بمصر الحسد والنفاق، وتجارة الآداب ليس لها بسوقها نفاق، وفيما كان يزمع الهجرة من مصر ليستطون الشام، وافته منيته في جمادي الآخرة