للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالهلاك في الطريق الذي سلكه، والمهيع الذي اخترعه، فتسفر العاقبة عن السلامة التامة التي اقتضاها سعده، فيكثرون التعجب من موارد أموره ومصادرها.

وقيل له مرّة: إن فلاناً مشؤوم فلا تستخدمه، فقال: أفّ لسعد لا يغطي على شؤمه، فاستخدمه، ولم ينله من شؤمه الذي جرت به العادة شيء.

وحكي عنه أنّه كان في قصره با زاهرة (١) ، فتأمل محاسنه، ونظر إلى مياهه المطّردة، وأنصت لأطياره المغردة، وملأ عينه من الذي حواه من حسن وجمال، والتفت في الزاهرة من اليمين إلى الشمال، فانحدرت دموعه، وتجهم وقال: ويهاً (٢) لك يا زاهرة، فليت شعري من الخائن الذي يكون خرابك على يديه عن قريب؟ فقال له بعض خاصته: ما هذا الكلام الذي ما سمعناه من مولانا قطّ؟ وما هذا الفكر الرديء الذي لا يليق بمثله شغل البال به؟ فقال: والله لترون ما قلت، وكأنّي بمحاسن الزاهرة قد محيت، وبرسومها قد غيرت، وبمبانيها قد هدمت ونحّيت، وبخزائنها قد نهبت، وبساحاتها قد أضرمت بنار الفتنة وألهبت، قال الحاكي: فلم يكن إلاّ أن توفّي المنصور وتولى المظفّر ولم تطل مدته، فقام بالأمر أخوه عبد الرحمن الملقّب بشنجول (٣) ، فقام عليه المهدي والعامّة، وكانت منهم عليه وعلى قومه الطامّة، وانقرضت دولة آل عامر، ولم يبق منهم آمر:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيسٌ ولم يسمر بمكّة سامر

بلى نحن كنّا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجدود العواثر (٤) وخربت الزاهرة، وذهبت (٥) كأمس الدابر، وخلت منها الدسوت الملوكيّة


(١) ك: الذي بالزاهرة.
(٢) ك: ويل.
(٣) ك ج: بسنجور؛ ط: بسنجول.
(٤) سقط هذا البيت من ق.
(٥) ك: ومضت.

<<  <  ج: ص:  >  >>