المهدي المذكور، فسلطه الله تعالى على كل ما أسسه المنصور حتى هدمه، وأخّر كلّ ما قدّمه، ولم ينفع في ذلك احتياط ولا حزم، ولا رادّ للقضاء المبرم الجزم:
والله يحكم ما يشا ... ء فلا تكن متعرضا [طرف من أخبار المنصور]
وقد قدمنا شيئاً من أخبار المنصور، ولا بأس أن نلمّ هنا ببعضها وإن حصل منه نوع تكرار في نبذة منها لارتباط الكلام بعضه ببعض.
قال بعض المحققين من المؤرخين: حجر المنصور بن أبي عامر على هشام المؤيد بحيث لم يره أحد منذ ولي الحجابة، وربما أركبه بعد سنين وجعل عليه برنساً، وعلى جواريه مثل ذلك، فلا يعرف منهن، ويأمر من ينحّي الناس من طريقه، حتى ينتهي المؤيد إلى موضع تنزهه، ثم يعود، غير أنّه أركبه بأبهة الخلافة في بعض الأيام لغرضٍ له، كما ألمعنا به فيما سبق، وكان المنصور إذا سافر وكل بالمؤيد من يفعل معه ذلك، فكان هذا من فعله سبباً لانقطاع ملك بني أمية من الأندلس، وأخذ مع ذلك في قتل من يخشى منه من بني أميّة خوفاً أن يثوروا به، وظهر أنّه يفعل ذلك شفقة على المؤيد، حتى أفنى من يصلح منهم للولاية، وربما سكن بعضهم البادية، وترك مجلس الأبهة وناديه، حتى قال بعض من ينقم على المنصور ذلك الفعل من قصيدة:
أبني أميّة أين أقمار الدّجى ... منكم؟ وأين نجومها والكوكب؟
غابت أسودٌ منكم عن غابها ... فلذاك حاز الملك هذا الثعلب مع أن للمنصور مفاخر بذّ بها الأوائل والأواخر، من المثابة على جهاد