للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأخمله ونكبه، وأرجله عمّا كان الدهر أركبه، وألهب جوارحه (١) حزناً، ونهب له مدّخراً ومختزناً، ودمّر عليه ما كان حاط، وأحاط به من مكروهه ما أحاط، غبر سنين في مهوى تلك النكبة، وجوى (٢) تلك الكربة، ينقله المنصور معه في غزواته، ويعتقله بين ضيق المطبق ولهواته، إلى ان تكوّرت شمسهن وفاظت بين أثناء المحن نفسه، ومن بديع ما حفظ له في نكبته، قوله يستريح من كربته:

صبرت على الأيام لمّا تولّت ... وألزمت نفسي صبرها فاستمرّت

فوا عجباً للقلب كيف اعترافه ... وللنفس بعد العزّ كيف استذلّت

وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ... فإن طمعت تاقت وإلاّ تسلّت

وكانت على الأيام نفسي عزيزةً ... فلمّا رأت صبري على الذل ذلّت

فقلت لها: يا نفس موتي كريمةً ... فقد كانت الدّنيا لنا ثمّ ولّت وكان له أدبٌ بارع، وخاطر إلى نظم القريض يسارع (٣) ، فمن محاسن إنشاده (٤) ، التي بعثها إيناس دهره بإسعاده، قوله:

لعينيك في قلبي عليّ عيون ... وبين ضلوعي للشجون فنون

لئن كان جسمي مخلقاً في يد الهوى ... فحبّك عندي في الفؤاد مصون وله وقد أصبح عاكفاً على حميّاه، هاتفاً بإجابة دنياه، مرتشفاً ثغر الأنس متنسماً ريّاه، والملك يغازله بطرف كليل، والسعد قد عقد عليه منه إكليل، يصف لون مدامه، وما تعرّف له منها دون ندامه:


(١) دوزي: جوانحه.
(٢) ق ك ط: وجراء؛ ج: وجزاء.
(٣) دوزي: مسارع.
(٤) ك: نظامه وإنشاده.

<<  <  ج: ص:  >  >>