للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها أنّه لقيته - وقد عاد من بعض غزواته - امرأة نقمت عليه بلوغ مناه وشهواته، وقالت له: يا منصور، استمع ندائي، فأنت في طيب عيشك وأنا في بكائي، فسألها عن مصيبتها التي عمّتها وغمّتها (١) ، فذكرت له أن لها ابناً أسيراً في بلادٍ سمّتها، وأنها لا يهنأ عيشها لفقده، ولا يخبو ضرام قلقها من وقده، وأنشد لسان حالها ذلك الملك العلي:

أيا ويح الشجيّ من الخليّ (٢) ... فرحّب المنصور بها وأظهر الرقة بسببها، وخرج من القابلة إلى تلك المدينة التي فيها ابنها وجاس أقطارها وتخلّلها، حتى دوّخها إذ أناخ عليها بكلكله وذلّلها، وأعراها من حماتها وببنود الإسلام المنصورة ظلّلها، وخلّص جميع من فيها من الأسرى، وجلبت عوامله إلى قلوب الكفرة كسرا، وانقلبت عيون الأعداء حسرى، وتلا لسان حال المرأة " فإنّ مع العسر يسراً إنّ مع العسر يسراً ".

فهكذا تكون الهمة السلطانية، والنخوة الإيمانية، فالله سبحانه يروّح تلك الأرواح في الجنان، ويرقي درجاتها ويعاملها بمحض الفضل والامتنان.

[رسالة ابن عبد البر إلى المنصور الصغير]

وقد تذكرت هنا والحديث شجون، وفي ذكر المناسبات (٣) يبلغ الطلاب ما يرجون، كتاباً كتبه الأديب الكاتب أبو محمد ابن الإمام الحافظ محدث


(١) وغمتها: سقطت من ق ط ج.
(٢) شطر بيت لأبي تمام وتمامه:
وبالي الربع من إحدى بلي ... (٣) ك: وبذكر المناسبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>