للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال صاحب كتاب " روضة الأزهار، وبهجة النفوس ونزهة الأبصار " (١) : ولما مر أمر المنصور بن أبي عامر بسجن المصحفي بالمطبق في الزهراء ودّع أهله وودّعه وداع الفرقة، وقال لهم: لستم ترونني بعدها حيّاً، فقد أتى وقت إجابة الدعوة، وما كنت أرتقبه منذ أربعين سنة، وذلك أنّي أشركت (٢) في سجن رجل في عهد الناصر، وما أطلقته إلاّ برؤيا رأيتها بأن قيل لي: أطلق فلاناً فقد أجيبت فيك دعوته، فأطلقته وأحضرته وسألته عن دعوته عليّ، فقال: دعوت على من شارك في أمري أن يميته الله في أضيق السجون، فقلت (٣) : إنّها قد أجيبت، فأنّي كنت ممن شارك في امره، وندمت حين لا ينفع الندم، فيروى أنّه كتب للمنصور بن أبي عامر بهذه الأبيات (٤) :

هبني أسأت فأين العفو والكرم ... إذ قادني نحوك الإذعان والنّدم

يا خير من مدّت الأيدي إليه أما ... ترثي لشيخ نعاه عندك القلم

بالغت في السّخط فاصفح صفح مقتدر ... إنّ الملوك إذا ما استرحموا رحموا فأجابه المنصور بأبيات لعبد الملك الجزيري:

يا جاهلاً بعدما زلّت بك القدم ... تبغي التكرّم لمّا فاتك الكرم

ندمت إذا لم تعد منّي بطائلةٍ ... وقلّما ينفع الإذعان والنّدم

نفسي إذا جمحت ليست براجعةٍ ... ولو تشفّع فيك العرب والعجم فبقي في المطبق حتى مات، نعوذ بالله تعالى من دعوة المظلوم، انتهى.

وقد ذكر بعضهم هذه الأبيات زيادة حسبما ذكرناه في غير هذا المحل، فإن هذه الأبيات للمنصور، وهذا المؤرخ مصرح بأنها لعبد الملك الجزيري،


(١) لم أتعرف إلى مؤلف هذا الكتاب، ولكن النص منقول عن ابن حيان في الذخيرة ٤: ٥٠.
(٢) كذا في الأصول، وفي مطبوعة ليدن: شاركت، وفي الذخيرة: أسرفت.
(٣) الذخيرة: فعلمت.
(٤) انظر ما تقدم ص: ٤٠٧ - ٤٠٨ والذخيرة ٤: ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>