للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يقال: لا منافاة بينهما، فإن المنصور أجاب بالأبيات، وهل هو قائلها أم لا؟ الأمر أعم (١) ؛ فبيّن هنا، والله أعلم.

وقال بعض مؤرخي المغرب (٢) : إن الحاجب المصحفي حصل له في هذه النكبة من الهلع والجزع ما لم يظن أنّه يصدر من مثله، حتى إنّه كتب إلى المنصور ابن أبي عامر يطلب منه أن يقعد في دهليزه معلّماً لأولاده، فقال المنصور بدهائه وحذقه: إن هذا الرجل يريد أن يحط من قدري عند الناس، لأنّهم طالما رأوني بدهليزه خادماً ومسلّماً (٣) ، فكيف يرونه الآن في دهليزي معلّماً؟ وكان المنصور يذهب به بعد نكبته معه في غزواته، حتى إنّه حكى بعضهم أنّه رأى الحاجب المصحفي في ليلة نهى المنصور فيها الناس عن إيقاد النيران تعمية على العدوّ الكافر، وهو ينفخ فحماً في كانون صغير ويخفيه تحت ثيابه، أو كما قال، فسبحان مديل الدول، لا إله إلاّ هو، فإن المصحفي بلغ من الجلالة والعظمة والتحكم في الدولة المدة المديدة أمراً لا مزيد عليه، والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.

ولقد ذكر بعض العلماء (٤) المغاربة أن من أعاجيب انقلاب الدنيا بأهلها قصّة المنصور بن أبي عامر مع الحاجب جعفر بن عثمان المصحفي. ولم يزل أعداء المنصور بن أبي عامر يتربّصون به الدوائر، فغلب سعده الذي هو المثل السائر، وربما همس بعض الشعراء بهجوه وهجو الدولة جميعاً إذ قال (٥) :

اقترب الوعد وحان الهلاك ... وكلّ ما تحذره قد أتاك

خليفة يلعب في مكتبٍ ... وأمّه حبلى وقاضٍ يناك


(١) يقترح فليشر أن تقرأ " الأمر أعمى " أي مبهم غامض.
(٢) قارن بما أورد ابن عذاري ٢: ٣٩٩ - ٤٠٠.
(٣) ج: ومعلماً.
(٤) ك: بعض علماء.
(٥) ابن عذاري: ٢: ٤١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>