للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني بالخليفة هشاماً المؤيد لكونه كان صغيراً، وأمّه صبح البشكنسية كان الأعداء يتهمون بها المنصور، وذلك بهتان وزور، وأفظع منه رميهم القاضي بالفجور، والله عالم بسرائر الأمور، ونعوذ بالله من ألسنة الشعراء الذين لا يراعون إلاًّ ولا ذمّة، ويطلقون ألسنتهم في العلماء والأئمة، ومن كان حاسداً لمن بات في نعمائه يتقلّب (١) ، جدير بأن لا يدرك ما يؤمّل ويتطلب، لأنّه يعترض على الله سبحانه في أحكامه، نعوذ بالله من شرّ أنفسنا ومن شرّ كل ذي شرّ، بجاه نبينا عليه أزكى صلوات الله وأفضل سلامه.

وقد قدّمنا أن المنصور بن أبي عامر كان أولاً يخدم جعفر بن عثمان المصحفي مدبر مملكة هشام المؤيد، ويريد النصيحة، وأنّه ما زال يستجلب القلوب بجوده وحسن خلقه، والمصحفي ينفّرها ببخله وسوء خلقه، إلى أن كان من أمره ما كان، فاستولى على الحجابة، وسجن المصحفي، وفي ذلك يقول المصحفي (٢) :

غرست قضيباً خلته عود كرمةٍ ... وكنت عليه في الحوادث قيّما

وأكرمه دهري فيزداد خبثه ... ولو كان من أصل كريم تكرّما ولما يئس المصحفي من عفو المنصور قال (٣) :

لي مدةٌ لا بدّ أبلغها ... فإذا انقضت أيامها متّ

لو قابلتني الأسد ضاريةً ... والموت لم يقرب (٤) لما خفت

فانظر إليّ وكن على حذرٍ ... في مثل حالك أمس قد كنت ومن أحسن ما نعى به نفسه قوله حسبما تقدم (٥) :


(١) أخذه من قول الشاعر:
وأظلم أهل الأرض من كان حاسداً ... لمن بات في نعمائه يتقلب (٢) الذخيرة: ٤: ٥٢.
(٣) الحلة السيراء ١: ٢٦٧ والذخيرة ٤: ٥١.
(٤) الحلة: لم يقدر؛ الذخيرة: لم يدن.
(٥) انظر ما سبق ص: ٥٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>