للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمدنيين والمصريين كعبد الله بن وهب وعبد الرحمن بن القاسم العتقي (١) ، وسمع منهما، وهما من أكابر أصحاب مالك، بعد انتفاعه بمالك وملازمته له.

وانتهت إليه الرياسة بالأندلس، وبه اشتهر مذهب مالك في تلك الديار، وتفقه به جماعة لا يحصون عدداً، وروى عنه خلق كثير، وأشهر رواة الموطّإ وأحسنهم روايةً يحيى المذكور، وكان - مع أمانته ودينه - معظّماً عند الأمراء، يكنّى عندهم، عفيفاً عن الولايات متنزهاً، جلّت رتبته عن القضاء، وكان أعلى من القضاة قدراً عند ولاة الأمر بالأندلس لزهده في القضاء وامتناعه.

قال الحافظ ابن حزم (٢) : مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان: مذهب أبي حنيفة، فإنه لما ولي القضاء أبو يوسف كانت القضاة من قبله من أقصى المشرق إلى أقصى عمل إفريقية، فكان لا يولي إلاّ أصحابه والمنتسبين لمذهبه، ومذهب مالك عندنا بالأندلس، فإن يحيى بن يحيى كان مكيناً عند السلطان مقبول القول في القضاة، وكان لا يلي قاضٍ في أقطار بلاد الأندلس إلاّ بمشورته واختياره، ولا يشير إلاّ بأصحابه ومن كان على مذهبه، والناس سراع إلى الدنيا، فأقبلوا على ما يرجون بلوغ أغراضهم به، على أن يحيى لم يل قضاء قطّ، ولا أجاب إليه، وكان ذلك زائداً في جلالته عندهم، وداعياً إلى قبول رأيه لديهم، انتهى.

وذكرنا في غير هذا الموضع قولاً آخر في سبب انتشار مذهب مالك بالأندلس، والله سبحانه أعلم بحقيقة الأمر، انتهى.

وقال ابن أبي الفياض (٣) : جمع الأمير عبد الرحمن بن الحكم الفقهاء في


(١) في ق: العتلي؛ وسقطت من ط؛ وقال ابن خلكان (٢: ٢١٣) نسبة إلى العتقاء، جماع من القبائل كانوا يقطعون الطريق على من أراد النبي، صلى الله عليه وسلم، فبعث إليهم فأتى بهم أسرى فأعتقهم فقيل لهم: العتقاء.
(٢) انظر ابن خلكان ٥: ١٩٥.
(٣) النقل أيضا عن ابن خلكان.

<<  <  ج: ص:  >  >>