زكريا الزناتي وغيرهم، فأخذ عنهم، وكان قد كتب إليه منها أبو بكر الطّرطوشي وأبو الحسن ابن مشرّف الأنماطي، ولقي في صدره بالمهديّة أبا عبد الله المازري فسمع منه بعض كتاب المعلم، وأجاز له باقيه، وعاد إلى مرسية في سنة ست وعشرين.
وقد حصّل في رحلته علوماً جمة ورواية فسيحة، وكان عارفاً بالسنن والآثار، مشاركاً في علم القرآن وتفسيره، حافظاً للفروع، بصيراً باللّغة والغريب، ذا حظ من علم الكلام، مائلاً إلى التصوّف، مؤثراً له، أديباً بليغاً خطيباً فصيحاً، ينشئ الخطب مع الهدي والسّمت والوقار والحلم، جميل الشارة، محافظاً على التلاوة، [بادي] الخشوع (١) ، راتباً على الصوم، وولي خطّة الشورى بمرسية مضافة إلى الخطبة بجامعها، وأخذ في إسماع الحديث وتدريس الفقه، ثم ولي القضاء بها بعد انقراض دولة الملثمين، ونقل إلى قضاء شاطبة فاتخذها وطناً، وكان يسمع الحديث بها وبمرسية وبلنسية، ويقيم الخطب أيّام الجمع في جوامع هذه الأمصار الثلاثة متعاقباً عليها، وقد حدّث بالمريّة وهناك أبو الحسن ابن موهب وأبو محمد الرّشاطي وغيرهما، وسمع منه أبو الحسن ابن هذيل جامع الترمذي، وألّف كتابه شجرة الوهم المترقية إلى ذروة الفهم ولم يسبق إلى مثله، وليس له غيره، وجمع فهرسة حافلة.
ووصفه غير واحد بالتّفنّن في العلوم والمعارف، والرسوخ في الفقه وأصوله، والمشاركة في علم الحديث والأدب.
وقال ابن عياد في حقّه: إنّه كان صليباً في الأحكام، مقتفياً للعدل، حسن الخلق والخلق، جميل المعاملة، لين الجانب، فكه المجالسة، ثبتاً، حسن الخط، من أهل الإتقان والضبط. وحكي أنّه كانت عنده أصول حسان