للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استواؤهما، فإذا كان لايستويان فكيف يستوي المخلوق والعبد الذي ليس له ملك ولاقدرة ولا استطاعة بل هو فقير من كل الوجوه بالربّ المالك لجميع الممالك القادر على كل شيء سبحانه، بل وكيف بالأوثان والأصنام الجامدة العاجزة عن كل شيء؟!

والمراد: فكيف تجعلونها أيها المشركون شركاء لي تعبدونها من دوني مع هذا التفاوت العظيم والفرق المبين (١) .

وإلى هذا المعنى ذهب جمهور المفسرين، وقد ذهب البعض منهم كابن جرير الطبري إلى أنّ هذا المثل ضربه الله للكافر من عبيده والمؤمن به، فأمّا مثل الكافر فإنه لايعمل بطاعة الله ولا يأتي خيراً ولاينفق من ماله شيئاً في سبيل الله فهو كالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء فينفقه، وأما المؤمن بالله فإنه يعمل بطاعته وينفق ماله في سبيله كالحرّ الذي آتاه الله مالاً فهو ينفق منه سراً وجهراً (٢) .

ولكن القول الأول هو الأولى والأقرب؛ لأنّ ما قبل هذه الآية من الآيات ـ كما بينته سابقاً ـ بل وما بعدها إنما جاءت في إثبات التوحيد وفي الردّ على القائلين بالشرك، فحمل هذا المثل على هذا المعنى هو الأولى، وما نُقِل عن ابن عباس رضي الله عنهما (٣) في القول الثاني لم يصح؛ لأنه روي بسند مسلسل


(١) انظر: تفسير القرطبي ج١٠ ص ١٤٦-١٤٧؛ تفسير أبي السعود ج٥ ص١٢٩، التفسير الكبير للفخر الرازي ج٢٠ص٨٣؛ أمثال القرآن لابن القيم ص ٢٠٤-٢٠٥؛ تفسير الآلوسي ج١٤ ص١٩٤-١٩٥؛ محاسن التأويل للقاسمي ج١٠ ص١٣٤-١٣٥؛ تفسير السعدي ج٤ ص٢٢١-٢٢٢؛ التحرير والتنوير لابن عاشور ج١٤ ص٢٢٥.
(٢) انظر: تفسير الطبري ج١٤ ص١٠٠؛ تفسير البغوي ج٣ص٧٨؛ تفسير ابن كثير ج ٢ ص٥٧٨.
(٣) هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، أبو العباس (٣ق. هـ-٦٨هـ) : حبر الأمة، ولد بمكة ونشأ في عصر النبوة فلازم النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه الأحاديث، شهد مع علي الجمل وصفين. سكن الطائف ومات بها. (انظر: أسد الغابة لعز الدين بن الأثير أبي الحسن علي بن محمد الجزري ج٣ ص١٨٦-١٩٠؛ الإصابة لابن حجر ج٢ ص٣٢٢-٣٢٦؛ الأعلام للزركلي ج٤ ص٩٥) .

<<  <   >  >>