للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعده من مثل المؤمن، فينجلي من بعد الحقّ وتثبت البيّنة والحجّة.

أما مثل المشرك بالله فهو ما جاء في قوله تعالى {ضرب الله مثلاً رجلاً (١) فيه شركاء متشاكسون} (٢) والمراد: مثل المشرك بالله كمثل الرجل المملوك الذي يشترك في ملكيته سادة مختلفون متضادون عسرون لايتفقون على شيء؛ وذلك لشكاسة أخلاقهم وسوء طباعهم، فيتجاذبونه ويتعاورونه في مهمّاتهم المتباينة ورغباتهم المختلفة بقدر نصيب كلّ واحد منهم وملكه فيه؛ فيبقى ـ والحال هذا ـ ضائعاً حائراً متردداً أيّهم يعتمد أمره ويتبع، إن أرضى أحدهم غضب الآخر؛ فهمّه مُشاع وقلبه أوزاع، فأنّىله الراحة والاستقرار والاطمئنان، كذلك حال المشرك بالله في تقسّم عقله وتوزّع قلبه بين آلهة متعددة فهو في شك وحيرة وتخبّط وضلال لايستقيم له حال ولا يطمئن له بال (٣) .

وأمّا مثل المؤمن بالله فهو ما أخبر عنه تعالى بقوله {ورجلاً سلماً لرجل} (٤) أي


(١) (مثلا) مفعول ثان لضرب، و (رجلاً) مفعوله الأول، أُخِّر عن الثاني للتشويق إليه وليتصل به ما هو من تتمة التي هي العمدة في التمثيل. أو (مثلاً) مفعول ضرب، و (رجلاً) بدل منه. (انظر: تفسير الآلوسي ج٢٣ ص٢٦٢) .
(٢) قال ابن منظور في لسان العرب: ((الشُّكُس والشَّكِسُ والشَّرِسُ جميعاً: السيء الخُلُق)) . (لسان العرب: ج٦ ص١١٢) ويمثله قال الرازي في مختار الصحاح: رجل شَكْس بوزن فَلْس أي صعب الخُلُق (ص٣٤٤) .
(٣) انظر: تفسير الطبري ج٢٣ ص١٣٦-١٣٧؛ تفسير ابن كثير ج٤ ص٥٢؛ تفسير القرطبي ج١٦ ص٢٥٣؛ تفسير أبي السعود ج٧ ص٢٥٣؛ تفسير الآلوسي ج٢٣ص٢٦٢؛ تفسير السعدي ج٦ ص٤٦٨؛ التحرير والتنوير ج٢٣ص٤٠١-٤٠٢.
(٤) قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (سالماً لرجل) بصيغة اسم الفاعل، أي خالصاً من الشركة، وقرأ الجمهور (سلماً) وهو اسم مصدر: سَلِم له إذا خلص، فهو على حذف مضاف أي ذا سلامة وذا خلوص من الشركة، والوصف به للمبالغة. (انظر: النشر في القراءات العشر لابن الجزري ج٢ ص٣٦٢؛ الغاية في القراءات العشر لأحمد بن الحسين ابن مهران النيسابوري، تحقيق محمد غياث الجنباز ص ٢٥٢؛ رغائب الفرقان للنيسابوري ج٢٣ص١٢؛ التحرير والتنوير ج٢٣ص٤٠١) .

<<  <   >  >>