للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابن الأثير في رجار: " وأكرم المسلمين وقربهم ومنع عنهم الفرنج فأحبوه " (١) حتى لقد كان يقرب زهادهم والمتعبدين منهم فأكسبه هذا اعتقاد بعض الناس بأنه كان مسلماً في السر. ومثل هذا الاعتقاد ينشأ بين جماعة كانت تستكثر منه تسامحه أو من جماعة كانت تعاديه وتكيد له، وتحاول ان تستغل تسامحه لمصلحتها. أما حقيقة الحال فهي أن رجار كان يحب الهدوء والطمأنينة في مملكته، ولم يكن يهدد ذلك الهدوء وتلك الطمأنينة كالضرب على الوتر الديني، ولذلك لم يكن يسمح للمسلمين في جيشه أن ينتصروا، ولا يحب أن يرى النصارى يعتنقون الإسلام على أن اتهام أعدائه له بالإسلام سراً جعله يدفع ذلك عن نفسه ببناء الكنائس، بل بإغراء المسلمين على التنصر إن صح ما يقوله روموالد المؤرخ، فهو يصف رجار بأنه عني في آخر أيامه بتنصير اليهود والمسلمين، مسبغاً على من تنصر منهم أسباب النعمة الدنيوية (٢) وقضية فيليب أمير الأسطول مثل من الأمثلة التي حاول بها رجار ان يظهر علناً إخلاصه للدين المسيحي. - فقد غزا فيليب بونة واستولى عليها غير أنه أغضى على جماعة من العلماء والصالحين حتى خرجوا بأهليهم وأموالهم إلى القرى، ولما عاد إلى صقلية قبض عليه رجار لما اعتمده من الرفق بالمسلمين، وكان يقال انه وجميع فتيانه مسلمون يكتمون إسلامهم وشهد عليه بعضهم انه ليصوم مع الملك، وانه مسلم، فجمع رجار الأساقفة والقسوس والفرسان فحكموا بان يحرق في رمضان، وهذا أول وهن دخل على المسلمين بصقلية (٣) .

وكان المسلمون من ناحيتهم يقبلون على الملك ويظهرون له الحب حتى يضمنوا لأنفسهم تقدماً في دولته، وحتى يحميهم من أجناس أخرى كانت تنظر إليهم نظرة بغض وحنق، إذ ليس التسامح في صقلية معناه موت الأحقاد في نفوس الأجناس، ولكن معناه ضبط الحاكم لتلك الأجناس وعدم سماحة بتعدي


(١) ابن الأثير ١٠/ ٦٨ والمكتبة: ٢٧٨.
(٢) Freeman؛ Hist. Essays، ٣rd Series؛ ٤٥٩
(٣) رحلة التيجاني في المكتبة: ٢٩٩ - ٣٠٠.

<<  <   >  >>