للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحقيقة الرابعة: الفتنة الأخيرة وأثرها في الشعر:

وأعني بها الفتنة التي أسقطت بني الفتنة التي أسقطت بني أبي الحسين الكلبي، وقسمت صقلية إلى دويلات صغيرة، وجعلت في كل مدينة أميراً، كما حدث في الأندلس بعد ذهاب العامرين، وانقسام مدنها بين ملوك الطوائف، وهي الفتنة التي جرت من بعد إلى الفتح النورماني، وإلى فقدان الجزيرة وضياع الوطن.

وأول شي فعلته تلك الفتنة أنها مزقت الشعراء بعد ان كانوا يلتفون حول وال واحد، فاختص ابن الخياط بابن الثمنة يمدحه ويشيد بانتصاراته، وذهب محمد ابن قاسم بن زيد القاضي يمدح على بن نعمة المعروف بابن الحواس، والتف حول ابن منكود بمازر جماعة من الشعراء الصقليين والطارئين وفيهم عبد الحليم الصقلي ابن رشيق. ولما استدعى الصقليون المعز بن باديس ليدخل الجزيرة - كما استدعى الأندلسيون يوسف بن تاشفين - انحاز إلى المنقذ الجديد جماعة من الشعراء منهم ابن الفقيه الكلاعي.

وكان حرياً بهذا الانقسام أن يجعل خصباً كثيراً، وأن يهيء للإجادة بما يبعث من منافسة، كما حدث في الأندلس أيضاً أيام ملوك الطوائف ولكن حال دون ذلك أساب منها: قصر الفترة التي عاشها صقلية تحت حكم أمراء الطوائف - أو القواد المستقلين - ولم يجد على صقلية في هذه الفترة شيء جديد، فالشعراء هم الشعراء، وكل ما حدث أن القواد توزعوهم فيما بينهم.

وقد عملت الفتنة شيئين في آن: أسقطت البيت الكلبي وحملتهم على مغادرة الجزيرة، وجاءت بحكام جدد، فقسمت الشعراء أيضاً فريقين: فريق ذهب يبكي بني أبي الحسسين، ويعدد فضائلهم، وفريق آخر يرحب بالمنقذين وفي طليعته ابن الفقيه الكلاعي الذي رفع عقيرته يقول (١) :

الله أكبر أودي الجور وانقشعت ... سحب النفاق وزال الحادث النكر


(١) الترجمة رقم ١٤٣ عن المحمدين، الورقة، ٢٠.

<<  <   >  >>