للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما شهد استلامه. وكان الذين استسلموا من الشعراء لهذا الحادث مشمولين بالروح الدينية أما ابن حمديس فكانت " الوطنية " في شعره أقوى من التدين. وإذا طلبت الأثر الديني في شعره الذي بكي فيه وطنه وجدته يسيراً. وليس في تلك القصائد شاعر يطلب الرحمة لقومه، وإنما فيها صورة الوطن بكل ما فيه من جمال ورجولة وذكريات عذاب.

ومجمل القول أننا إذا استثنينا أشعار ابن حمديس العاطفية في البكاء على وطن ضاع، وجدنا سائر الشعر المتصل بالفتنة والفتح النورماني إما ينعي ذهاب مجد بني أبي الحسين الكلبيين كما في أشعار ابن الخياط، أو يلوم الصقليين على تماديهم في الفتنة، كما في شعر أبي محمد القاسم بن عبد الله التميمي فلهذا الشاعر قصيدة من طوال الصقليات، يؤرخ فيها حال صقلية أيام الفتنة، واقتتال الصقليين فيما بينهم، ثم كيف دخل الإفرنج الجزيرة وقاتلوا أهلها وغلبوا عليها، ومنها مصوراً حال الفتنة بعد مقدمة غزلية (١) :

سقى الله هيمَ الغرب لا بعض هامه ... كما يمنع الغمضَ السليمٌ المنادم

وما كنت أسقي الغرب لو كان لم تكن ... صقلية منه - وإن لام لائم

وإني لمنهم واحدٌ غير أنه ... وشيء بيننا واش من البين غاشم

رزينا بذات البين حتى كأننا ... نرى أن من يبغي سوى البغي آثم

يغير الفتى منا على مال نفسه ... ويقتله عدواً أخوه الملائم

يجورُ دليلُ القوم عن سبل رشده ... ويمضي على المكروه من هو نادم

نروح ونغدو في أمور لو أنه ... رأى بعضها ما عاود النومَ حالم

كأن بحاراً بالوغى وكأنما ... معاركنا طول الزمان مواسم

فطوراً نذود الموتَ عنا وتارةً ... نموتُ كما ماتَ الحماةُ الأكارم

فلو كان مسلماً ذلك الحرب بيننا ... ثلاثين عاماً ضامناً منه ضائم ثم يتطرق بعد ذلك إلى وصف هجوم الروم عليهم فيقول:


(١) عنوان الأديب١: ١٣٦.

<<  <   >  >>