ثم تغيرت الحكومة فسقط في السياسة، فتوفر لديه شعور حاد بفساد المجتمع رمى به في أحضان الدين من جديد. ولكنه من أشد الشعراء الصقليين نقداً لبعض المظاهر الكاذبة في مجتمعه، ونسمعه ينتقد التصوف بقوله:
ليس التصوفُ لبس الصوف ترقعهُ ... ولا بكاؤك إن غنى المغنونا
ولا صياحٌ ولا رقصٌ ولا طربٌ ... ولا تغاش كأن قد صرت مجنونا
بل التصوفُ أن تصفو بلا كدر ... وتتبع الحق والقرآن والدينا
وأن ترى خائفاً لله ذا ندم ... على ذنوبك طولَ الدهر مزونا أما الصورة الثانية فهي الإقبال على الحياة في نهم وظمأ، والعب من كؤوس لذائذها، ومع أن أهل الذمة لم يشاركوا كثيراً في إنتاج الشعر الصقلي فإنهم كانوا موضوعاً له. فأولئك الذميون هم أصحاب الدساكر والحانات، وفي أديرتهم خمر معتقة، وفي غلمانهم وجواريهم ضروب من الفتن، وأطاف الشعر بهذه الموضوعات، فكان وصف الخمر والغزل بالغلمان والجواري، ووصف الراقصات ومجالس الشراب عديل تلك الشعار التي قيلت في الزهد والقناعة والتوبة.
والخمر تشتري من الباعة في الحانات ومن الأديرة، وعند ابن حمديس أن الراهبة في الدير هي التي تبيع الخمر، والساقي في الشعر الصقلي غلام جميل، إلا عند ابن حمديس فهو ساقية جميلة رخيمة اللفظ ساحرة المقلتين.
وكل هم الشاعر في الوصف هو الخمر نفسها. فلا يلتفت كثيراً إلى بائع الخمر نفسه، ولا يصفِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِ