للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العزوبة، كقول ابن مكي:

من كان منفرداً في ذا الزمان فقد ... نجا من الذل والأحزان والقلق

تزويجنا كركوب البحر ثم إذا ... صرنا إلى ولد، صرنا إلى الغرق وتصطبغ هذه الدعوة الزاهدة - عادة - بالاتكالية وذم المال، وفي التخذيل عن الكد المضني في سبيل الرزق، من ذلك قول أحدهم (١) :

يا حريصاً قطع الأيام في ... بؤس عيش وعناء وتعب

ليس يعدوك من الرزق الذي ... قسم الله فأجمل في الطلب أو كقول الآخر، وغالي في تهجين السعي جملة (٢) :

لا تخشى في بلده ضياعاً ... حيثُ حياة فثم رزقُ

قد قسم الله للبرايا ... رزقهم فالعناء حمقُ وغنى صقلية بهذا الشعر نوع من الفقر الفني في رأيي، فما نظن أن هذا الشعر إلا صورة لروح الوعظ والتذكير، وإلا تعبيراً عن تلك المدارس الفقهية التي كانت توجه حياة صقلية الثقافية. ذلك لأن هذا النوع من الشعر لا يلمح غلا الجوانب السلبية من الحياة، وأعلى درجة من هذا الدب الوعظي قول ابن الطوبي في تصوير روح التقوى (٣) :

يحب بنو آدم ربهم ... ولكنهم بعدُ يعصوُنه

وإبليسُ قد أشربوا بغضه ... وهمْ بعد ذاك يطيعونه

فهذا التنافي فما بالهم ... يرون الضلال ويأتونه؟ وقد تقلبت الحياة بابن الطوبي، وتركته ينال من أطايبها، ويصيب من لذائذها ومتعها، وبعد فترة قضاها في الحياة السياسية خلق له أعداء ومبغضين


(١) الترجمة رقم ٤٦ ممن مجموعة الشعر.
(٢) الترجمة رقم ٤٩.
(٣) الترجمة رقم ١٥.

<<  <   >  >>